الجزء الثاني
[center]
ثانياً: الأسباب التي أدت إلى سقوط الأندلس ضعف العقيدة والانحراف عن المنهج
ولكن ما جاءت هذه المأساة بين عشية وضحاها، ما حدث بالأندلس عفوا ولا صدفة كلا وحاشا، ولكنها سنة كونية، هناك أسباب أدت إلى هذه المأساة، دعونا نقف مع بعض هذه الأسباب، وسأقتصر على أهم الأسباب، فالأسباب كثيرة ثم بعد ذلك أعرج على بعض الدروس والعبر، وأنبه الإخوة الأحبة: أن كل سبب مما سأذكره، هو بنفسه عبرة وعظة لمن ألقى السمع وهو شهيد.
قلنا لكم: دخل الإسلام على يد طارق بن زياد، وموسى بن نصير عام ثلاثة وتسعين هجرية، ثم في خلال ثلاث سنوات فقط انتشر الإسلام، انتشارا عظيما في الأندلس، ثم بدأ الإسلام يزداد، ويقوى وبدأ عهد الولاة، ثم بدأ عهد الخلافة، ثم بدأ بعد ذلك في عام أربعمائة وعشرين، بدأ عهد الطوائف بعد ثلاثمائة وثلاثين سنة، بدأ عهد الطوائف وبداية عهد الطوائف هي بداية الانحدار في تاريخ الأندلس ثلاثمائة سنة، كانت عهد القوة ولكن بدأ عهد الطوائف، كما قلت ثم تلاه عهد المرابطين الموحدين، أو عهد المرابطين ثم عهد الموحدين، ثم قامت مملكة غرناطة دولة بني الأحمر، واستمرت حتى سقطت في حدود عام ثمانمائة وسبعة وتسعين، هجرية. بعد ثمانمائة عام وزيادة بعد أن بقي الإسلام في هذه البلاد،
نقول: ما هي الأسباب التي أدت ما استمعتم إليه.
أول سبب: نقف أمامه، هو ضعف العقيدة والانحراف عن المنهج. لما ضعفت العقيدة أيها الأحباب، وانحرف المسلمون عن المنهج، حل بالمسلمين ما حل بهم، وستلحظون الآن ماذا أقصد بالانحراف عن المنهج؟ وكيف ضعفت العقيدة من خلال الأسباب الباقية؟

ومن خلال الأمثلة التي سأذكرها،
إنما أشير هنا إلى أبيات يبينها أحد الشعراء في هذا المجال فيقول

بعدنا وإن جاورتنا البيوت *** وجئنا ببعض ونحـن صموت وأنفاسنا سكنت دفعـــة *** كجهد الصلاة تلاهالقنــوت وكنا عظاما فأصبحناعظاما *** وكنا نقوت فها نحن قــوت وكنا شموس سماء العـلا *** غربنا فناحت عليها البيـوت *************************
وهنا نأتي للسبب الثاني،:-
وكل الأسباب تتفرع عن السبب الأول كما ذكرت،
وهو التحالف مع النصارى والخضوع لهم ومجاملتهم، من خلال دراستي لتاريخ الأندلس، فجعت أيها الأحباب لماذا؟ لأنني وجدت أن التحالف مع النصارى بلغ ذروة رهيبة أودت بالأندلس، مفهوم الولاء والبراء، مفهوم الحب والبغض مفهوم العقيدة الصحيحة، ضعف في نفوس المسلمين. وضعف في نفوس الولاة، وضعف في نفوس الملوك، فحل بالأندلس ما حل بها.

يقول أحد المؤرخين، وهو عبد الله عنان: يذكر ويبين هذه الحالة، وكان يتحدث عن ابن هود، وكانت تعتور جهوده نفس المثالب القديمة، ما هي المثالب القديمة، التي كانت تصدع دائما من جهود زعماء الأندلسيين، والتي تتلخص في مصانعة النصارى، ومداراتهم ومساومتهم على حساب المصالح الإسلامية.

خذوا مثلا من ذلك، من ذلك قصة أحد الولاة، واسمه أبو زيد هذا الرجل ثار عليه أهل بلنسية، فلما ثاروا عليه، وأرادوا خلعه قام وعقد لواء وذهب إلى ملك النصارى ( خاينوي ) واتفق معه، وعقد معه معاهدة، وكان من هذه المعاهدة أن يقوم أبو زيد، ويعطي ملك النصارى جزءا من بلاد المسلمين، ويتنازل عن جزء من بلاد المسلمين، وأن يقدم الجزية لملك النصارى، تصوروا؟ المسلم الذي كان يقبض الجزية، أصبح يدفع الجزية في بلاد النصارى، ثم زاد على ذلك بأن اعتنق النصرانية، وأخذ يسير مع حلفائه النصارى في غزواتهم ضد بلاد المسلمين.

ونجد مثلا آخر، ابن الأحمر، عقد معاهدة، مع ملك النصارى مع ملك قشتالة، ما هي هذه المعاهدة؟ معاهدة غريبة محزنة مبكية، نقول لا غرابة إذا سقطت الأندلس، إذا كان الحكام على مثل هذا المستوى من ضعف الولاء والبراء ومن المهادنة لأعداء الله: اتفق معه على أن يحكم ابن الأحمر مملكة غرناطة، باسم ملك قشتالة، وفي طاعته وأن يؤدي له جزية سنوية.

ابن الأحمر ملك من ملوك المسلمين، يقدم الجزية لملك النصارى وأن يعاونه، ابن الأحمر يعاون ملك قشتالة ضد المسلمين، أو ضد أعدائه سواء كانوا من النصارى أو من المسلمين، وأن يقدم إليه عددا من الجند متى وأين طلب ذلك؟ وأن يشهد اجتماع المجلس النيابي القشتالي كواحد من أتباع ملك قشتالة، وسلم ابن الأحمر لملك قشتالة جيان وأرجونة وباركونة وقلعة جابر رهينة، ودليلا على حسن الطاعة وتنازل له - أيضا - عن بعض بلاد المسلمين.

وتستمر المآسي وأمامي أمثلة كثيرة، ولكنني سنختصرها نذكر

** منها أن ابن الأحمر وفاء لتعهده، قدم لملك أشبيلية،
**أو عندما حاصر (كما يذكر ابن خلدون) ملك النصارى أشبيلية، قام ابن الأحمر، وقدم وفقا لتعهده قوة من الفرسان لمعاونة النصارى في حصارهم للحاضرة الإسلامية والاستيلاء عليها.

ملك من ملوك المسلمين، يقدم ويعاون النصارى على حصار البلاد الإسلامية، بل تعدى الأمر ذلك إلى مجاملة النصارى كيف؟ قام ملك قشتالة: ألفونس الحادي عشر، بحصار جبل طارق، وهو تحت أيدي المسلمين، ولكن الله - سبحانه وتعالى - أرسل عليهم وباء فتك بهم، وممن قتل في هذا الوباء ملك النصارى لما فتك بهم الوباء رجعوا إلى بلادهم، أو إلى أشبيلية وهي من بلاد المسلمين، وكان لا بد أن يمروا على غرناطة، فسمح لهم ابن الأحمر، أن يمروا على غرناطة، ولم يتعرض لهم وهل اكتفى الأمر بذلك؟ لا بل إن بعض المسلمين لبس الحداد، الحداد على من؟ على مقتلة النصارى ووفاة ملك النصارى، مجاملة للنصارى.