ارنولد توينبي .. الإنسان الفيلسوف مؤرخ عملاق علم أجيالا و قضى حياته
كلها يتعلم .. !!
قالوا عنه : ( أنه نبي جديد ! ) فقد كان يدعو إلى نشر ديانة جديدة تجمع كل
الأديان .. !!
و قالوا : " " لقد كان أفلطون القرن العشرين .. ! " فهو الذي اعادنا إلى المدينة
الفاضلة .. و الأرض المثالية .. عندما دعا إلى قيام حكومة عالمية .. !!
و قالوا عنه : " إنه اينشتاين الأدب " .. فهو الذي وضع " دراسة التاريخ "
الذي صدر في عشر مجلدات في أعوام 1934 و 1939 و 1954 .. فقد نقل
إلينا على صفحاته و بين سطوره صورا للحياة منذ أن كانت هناك حياة .. ثم
بنا و ينقلنا إلى الحضارات و أصولها .. و يصف لنا بعض العوامل المؤثرة في
فكر المؤرخين و كتاباتهم .. !!
لقد كانت " دراسة التاريخ " .. رحلة ممتعة بالفكر و التأمل و العمق .. و لعلها
كانت أطول و أعظم رحلة في تاريخ التاريخ .. !!
و من خلال هذه الدراسة خرج الكاتب بنتائج عديدة في مقدمتها أن هذه الحضارات
التي سادت في حقبة أو في أخرى .. إنما قامت استجابة للتحديات الخارجية ..
طبقا لنظرية " التحدي و الاستجابة " .. حيث بقي هذان العاملان الأساسيان فيها
يتأرجحان في كفتي ميزان مضطرب .. تمسك به و توجهه زعامة تستمد قوتها .
بفضل هذا الأسلوب الكلاسيكي المعروف .. أسلوب الانسحاب من الميدان و العودة
إليه .. !!
ــ صداقته للتاريخ و الانسان :
و ربما كانت رحلاته إلى الشرق الأدنى هي التي أعطته ذلك الشعور القوي بعدم
دوام الحضارات .. فقد كتب يقول في إحدى وقفاته و تأملاته :
" هنا ترقد الحضارات الواحدة فوق الأخرى .. القلاع .. المعابد .. الآثار ..
كلها في بقعة واحدة .. حضارات فارسية و يونانية و رومانية و بزنطية و فنيقية
لماذا ذابت هذه النظم السياسية الواحد بعد الآخر " .. ؟؟
و كان يقف في حزن و هو يتأمل تلك الأطلال من حوله .. تماما كما كان يجلس
و يسرح بفكره عندما يخلو إلى نفسه .. في هؤلاء الأصدقاء و الزملاء الذين
ضحوا بأرواحهم في الحرب العالمية الأولى و ماتوا في ساحة القتال .. و كثيرا
ما أخرج منديله من جيبه ليمسح دمعة حاول أن يحبسها حزنا عليهم .. !!
لقد بقي شبح هؤلاء الرفاق يطارده طول حياته و كان يقول :
" لقد كان من الممكن أن أموت مثلهم .. لولا مرض الدوسنتاريا اللعين الذي
أصابني .. و جعلني غير لائق طبيا للخدمة العسكرية " .. !!
و كان يشعر بغرابة كلما تقدم به العمر .. و رأى سفينة الحياة تقاوم الموج
و الغرق .. !!
من هو هذا الرجل العظيم .. ؟؟
إنه " أرنولد تويني " .. المؤرخ الفيلسوف العالم الذي كتب التاريخ كما لم يكتبه
أحد من قبله .. و ربما من بعده أيضا .. الرجل الذي عاش حياته كلها قلق على
البشرية و ما ينتظرها من ويلات .. الرجل الذي وقف يدافع عن الحق في
شجاعة .. فكان يقول كلمته و يمضي في طريقه دون أن ينظر مرة واحدة وراءه
و دون أن يبالي بالحملات التي كثيرا ما تعرض لها بسبب تمسكه بالحق و دفاعه
عن المظلوم .. !!