[center]كان السودان مهداً لحضارات عريقة موغلة في القدم، امتدت في جذورها إلى حقب سحيقة، شأنه في هذا شأن بلاد الرافدين والشام ومصر وجزيرة العرب، وسائر المناطق التي كانت مسرحاً لأحداث وأمم سادت ثم بادت وخلفت وراءها آثارها وأوابدها التي تحكي قصة إنجازاتها وتراثها، ويمكن التعرف على مفاصل الحضارة السودانية ومآثرها الخالدة عبر تتبع المراحل التاريخية لحياة الإنسان في هذه البلاد منذ أقدم العصور وحتى العصر الراهن من خلال ما يلي
أولاً: العصور الحجرية.
1- العصر الحجري القديم
يتم استقراء التاريخ البشري في العصور الغابرة التي سبقت التاريخ، من خلال علم الآثار وأبحاثه واكتشافاته، وتشير مصادر هذا العلم أنه عثر على مخلفات للإنسان وأدوات حجرية مثل الفأس اليدوية المصنوعة من حجر الصوان ،على شكل قطعة مدية من الطرف الأسفل ، ومصقولة وذات حد قاطع، كان الإنسان قد أعدها واستعملها في الصيد والقتل وقطع الأشجار، واكتشفت هذه الأدوات في المنطقة المعروفة باسم خور أبو عنجة Abou Anga في غرب النيل على مسافة كيلو متر من التقاء النيل الأبيض بالنيل الأزرق عند المقرن، في العصر الحجري القديم الذي يعد من أقدم الأزمنة قبل الميلاد، وعثر على أدوات أخرى ترجع إلى هذا العصر في المكان المعروف باسم وادي عفو Wadi Afu إلى الجنوب من أم درمان بحوالي 80 كم غربي النيل الأبيض، كما عثر في منطقة جبل الصحابة إلى الشمال من مدينة حلفا على خمسين هيكلاً عظمياً يرجع عمرها إلى /12/ ألف و /8/ آلاف سنة ق.م إلى العصر الحجري القديم الأعلى، وهذه وغيرها تشير إشارة واضحة إلى أن الإنسان في هذا العصر قد استوطن مناطق السودان المختلفة.
2- العصر الحجري الوسيط
ينسب إلى منطقة الخرطوم، إذ أن أهم موقع عثر فيه على آثار من ذلك العصر يقع أسفل الأرض التي أقيم فوقها مستشفى الخرطوم الحالي، ويطلق عليه عصر حضارة الخرطوم الباكرة، ويبدأ هذا العصر بعد سنة /7/ آلاف ق.م، ويستمر ألفين أو ثلاثة آلاف سنة، وكان الجو آنذاك أكثر رطوبة في هذه المنطقة من العالم مما هو عليه الآن، وصنع الإنسان في العصر الحجري الوسيط في السودان، لأول مرة، الأواني الفخارية بشكل غير مصقول، وزينها بالزخارف البسيطة، وهذه الأواني خرجت للعالم لتعرف بحضارة السودان القديم ، وهي أقدم أواني فخارية من قلب أفريقية على الإطلاق.
3- العصر الحجري الحديث
يمتد من 6000 ق.م حتى 3200 ق.م، وقد عثر على مركز من أهم مراكزه الحضارية في الشهينات غربي النيل، على بعد 48 كم شمالي أم درمان، وتتميز حضارة هذا العصر بأنواع الفخار الأسود، أو ذي الحافة السوداء، إلا أنه لم يعثر علماء الآثار على مدافن ومقابر لأصحاب تلك الحضارة، ويعتقد أنهم كانوا يتخلصون من جثث موتاهم بإلقائها في النهر، وقد عثر على مراكز حضارية أخرى لأبناء هذا العصر في شجدود (shagadud) جنوب شرق النقطة في منطقة البطانة، وتصل حضارة السودان في هذه العصور الحجرية بالحضارة المصرية القديمة، وأن كثيراً من مظاهر حضارة العصر الحجري الحديث بالخرطوم، كان لها نظير معاصر لها يتمثل في حضارة العصر الحجري الحديث بمنطقة الفيوم في مصر، ومن أبرز مظاهرها:
أ- ازدياد استعمال المواقد والنار للطبخ.
ب- عدم وجود مدافن ومقابر في أماكن السكن.
جـ- استعمال نوع معين من رؤوس السهام الحجرية ذات الرؤوس المجنحة.
د- استعمال أنواع متشابهة من الفخار وخرز الزينة.
ثانياً: المجموعات الحضارية.
يبدأ تاريخها منذ نهاية العصر الحجري الحديث في حوالي 3100 ق.م، وينتهي حوالي عام 1580 ق.م ، وهو على مجموعات عدة هي:
1- حضارة المجموعة الأولى
عثر الآثاريون على مجمل آثار هذه المجموعة في بلاد النوبة، أحد مواقعها اكتشف في منطقة(فرص ) شمال وادي حلفا، والثاني: في (جمي )جنوب وادي حلفا، ومن أقدم آثار هذه المجموعة ،الأواني النحاسية التي عثر عليها في مقابر هذه المجموعة ،في فرص قرب أم درمان.
2- حضارة المجموعة الثانية
يفترض العلماء أنها عاصرت الدولة القديمة في مصر في الفترة بين 2800 و 2200 ق.م، وتتميز حضارة هذه المجموعة بفقرها وقلة مخلفات أصحابها، وأن هؤلاء ينحدرون من نفس عنصر المجموعة الأولى، مع ظهور عنصر الاتصال بالجنوب.
3- حضارة المجموعة الثالثة
وهي تعاصر الدولة القديمة في مصر أيضاً، وظهرت آثارها في حياة الدولة القديمة، حيث ظهر جنود سودانيون ضمن حرس الفرعون في مصر، وتمتد حضارة هذه المجموعة في الفترة بين 2250 و 2040 ق.م ، وقامت في منطقة النوبة السفلى، وكانت الحرفة الرئيسة لأبناء هذه الحضارة رعي الأبقار وغيرها من الحيوانات، وتتميز حضارتها بأنواع خاصة من الصناعات اليدوية، وأهمها: الفخار، وينسب إليهم صناعة قدور سوداء ذات خطوط بيضاء متقاطعة.
4- حضارة كرمة
ظهرت حضارة كرمة إلى الجنوب من منطقة انتشار حضارة المجموعة الثالثة، نسبة إلى مركزها الرئيس عند كرمة الحالية بالقرب من منطقة الشلال الثالثة، ولم تترك هذه الحضارة آثاراً مكتوبة، لعدم استعمال أهلها الكتابة، لذا تنصب كل موجوداتها على الحفائر، وانتشرت آثارها في منطقة دنقلي العرضي من الشلال الثاني حتى جزيرة (أرجو) في الجنوب، ومن مظاهرها الفخار الأحمر المصقول ذي الحافة السوداء، ونوع فريد من الخناجر، إضافةً لصناعات جلدية مميزة كالأحزمة، وصناعات خشبية مطعمة بالمايكا أو العاج، في شكل صور للحيوانات والطيور، إضافة إلى خزف كرمة الذي يعتبر أجود خزف عرف في وادي النيل منذ فجر التاريخ، وقد استمرت فترة حضارة كرمة إلى حوالي / 1650/ ق.م.
5- مملكة كوش
قامت حضارة كوش في الفترة بين 1580 و 750 ق.م في بلاد النوبة ، وهي شبيهة بالحضارة المصرية في أيام الدولة الحديثة، وقد بلغت مملكة كوش شأواً بعيداً من القوة والحضارة، أسهمت ثرواتها الطبيعية وجيشها ثم جهازها الإداري المنظم ، في إعطائها هذه المكانة، وقد اشتهر أهل كوش كمحاربين، إذ تظهر رسوماتهم براعتهم وكفاءتهم، وازداد الرخاء في هذا العصر في معظم البلاد السودانية، واتسعت التجارة بين مصر والسودان، وطبعت حضارة السودان بالطابع المصري في جميع مرافقها، نتيجة للاحتلال المصري للسودان في هذا العهد ،الذي يقابل عهد الدولة الحديثة في مصر.
6- العصر النبتي
في هذا العصر استيقظ الوعي عند السودانيين بعد احتلال المصريين لبلادهم في عهد الدولة الحديثة في مصر (فترة مملكة كوش) وكان الملك الرا أبرز زعمائهم (Alata) استرد السودانيون في عهده استقلال بلادهم، كما جعل كشتا أحد ملوك كوش العظماء،، نبتة الواقعة في أسفل الشلال الرابع، عاصمةً لبلاده، وفي هذا العهد سارت نبتة على النهج المصري في كل مظاهر الحياة والحضارة.
7- عصر مروى
وفيه انتقلت عاصمة كوش من نبتة إلى مروة، في عصر الملك أسبلتا (aspelta) في الفترة بين القرن السادس ق.م والقرن الثالث الميلادي، وتدل الأهرامات الملوكية والمعابد، ومنها معبد الشمس،على حضارة هذه الفترة، واستمرت مروى عاصمة لمملكة كوش منذ القرن الخامس قبل الميلاد حتى القرن الثالث الميلادي.
ثالثاً: المجموعة الحضارية.
مرت على السودان فترة بعد عصر مروى، لا يعرف عن أخبارها إلا النذر اليسير، حيث حكم البلاد مجموعات سكانية لم يتمكن علماء الآثار من معرفة انتمائها العرقي، ويسمونها المجموعة الحضارية، ويمتد عصر هذه المجموعة من سقوط مروى في القرن الرابع الميلادي إلى ظهور المسيحية في السودان في القرن السادس الميلادي ، وتتميز آثار هذه الفترة باقتفاء ملوكها آثار ملوك مروى بلبس التيجان، وكذلك معابدهم ومقابرهم منقولة من تصميم مقابر مروى، وكان هذا الشعب وثنياً يعبد آلهة مروى ومصر.
رابعاَ: العصر المسيحي.
وفيه دخلت النصرانية إلى السودان على يد مبشرين جاءوا من القسطنطينية إلى بلاد النوبة، حيث تنتشر الوثنية بين الناس في بلاد السودان، وقامت في هذه الفترة على أنقاض مملكة مروى، ثلاث ممالك نوبية ، الأولى: في الشمال تسمى مملكة النوباطيين، وعاصمتها فرس. والثانية: إلى الجنوب منها تسمى مملكة المغرة، إلى الجنوب من مملكة مروى القديمة وعاصمتها دنقلا العجوز. والثالثة: مملكة علوة وعاصمتها سوبا تقع قرب الخرطوم، وقد سادت في الممالك الثلاث مذاهب نصرانية مثل مذهب اليعاقبة والمذهب الملكاني، واعتبرت الكنائس أهم مظاهر الحضارة السودانية في العصر المسيحي، على النمط الذي كان شائعاً في العهد البيزنطي، وقد انتهى هذا العصر بامتداد الفتح العربي الإسلامي إلى هذه البلاد، قادماً إليها من الشمال من مصر.
خامساً: السودان بلاد إسلامية.
بالرغم من المعلومات المحدودة عن بدء الوجود الإسلامي في بلاد السودان منذ الفترات الأولى من صدر الإسلام، فإن الأمراء الأيوبيين الذين أنشأوا دولتهم في مصر في منتصف القرن الرابع الهجري / العاشر الميلادي، على أنقاض الدولة الفاطمية (العبيدية) الشيعية، قد سعوا إلى التوسع جنوباً في بلاد النوبة (السودان) لفتح هذه البلاد ونشر الإسلام فيها في القرن السادس الهجري / الثاني عشر الميلادي، وكان ذلك في عهد صلاح الدين الأيوبي الذي جهز الجيوش الإسلامية وأرسلها إلى هناك، لكن الممالك النصرانية الثلاث في بلاد النوبة، مملكة النوباطيين ومملكة المغرة ومملكة علوة ، واجهت التوسع الإسلامي ودارت حروب طاحنة بين الطرفين، هُزم فيها المسلمون الأيوبيون، وسيطرت على إثرها جيوش ممالك النوبة على المناطق الجنوبية من مصر، حتى تمكن القائد صلاح الدين من دحرهم مرة أخرى في عام 566هـ / 1170م، وطردهم من صعيد مصر، والتقدم جنوباً والقضاء كلياً على المماليك النصراينة الثلاثة الآنفة الذكر، ومن ثم استمر نشر الإسلام في بلاد السودان وتعريبها وتوحيدها لتبقى عربية إسلامية إلى آخر الدهر. ومع سقوط هذه الدويلات النصرانية، فإن النصارى في بلاد السودان وقعوا اتفاقية مع العرب المسلمين في مصر ، سميت باتفاقية "البقت" أو معاهدة النوبة، تلزم الطرفين بعدم الاعتداء على بعضهما، وتنص على إقامة مسجد للمسلمين في دنقلا ، يمارس فيه المسلمون شعائرهم الدينية، الأمر الذي يعزز وجهة النظر التي أوضحت قبل قليل أن الوجود الإسلامي في السودان قد ابتدأ منذ صدر الإسلام، وأن التوسع الإسلامي الأيوبي نحو هذه البلاد، إنما جاء ليرسخ الإسلام فيها ويقوي من انتمائها العروبي الإسلامي، ويوثق التعريب والثقافة العربية فيها، وقد أتاحت اتفاقية النوبة للعرب المسلمين زيادة حضورهم في بلاد السودان دون صدامات مع الكيانات النصرانية التي اعترضت عليهم في البداية، وخاضت حروباً داميةً معهم، كما دخلت مجموعات عربية إسلامية أخرى إلى أرض السودان وعبر البحر الأحمر من نجد وتهامة في الجزيرة العربية، ومن شمال أفريقية من تونس ،لكنها أقل حجماً من المجموعات التي جاءتها من مصر، وقد ساعدت هجرة هذه المجموعات السكانية إلى بلاد السودان ، في تمكين العروبة والإسلام فيها، كي تنشأ أول مملكة عربية في السودان بعد القضاء على مملكة علوة ، والسيطرة على عاصمتها سوبا جنوب الخرطوم في عام 854هـ / 1450م، تلتها مملكة الفونج في سنار، حبث أسس العرب الذين جاءوا من منطقة عُمان عبر اليمن والحبشة، وامتد حكم الفونج عام 1504م / 910هـ إلى منطقة الشلال الثاني بالقرب من أسوان جنوب مصر، ثم أسست مملكة تقلي العربية في عام 1560م/ 968هـ في منطقة النوبة، ومملكة الفور في الغرب (في دارفور) ورافق ذلك انتشار الإسلام في داخل الأراضي السودانية وفي عمقها وأطرافها عن طريق البدو والتجار، وبدأت هذه الممالك الثلاث تستعين بالعلماء وشيوخ الطرق الصوفية لترسيخ الإسلام بين سكان هذه البلاد ، واستمرت هذه الممالك الثلاث إلى حين دخلت القوات المصرية والتركية إلى السودان في عام 1821م / 1227هـ([1]).
سادساً: السيادة العثمانية المصرية على السودان: (1821م/1227هـ - 1882م / 1300هـ).
وهي الفترة التي كانت فيها مصر تحت السيادة العثمانية، وعملت فيها الدولة العثمانية على توسيع نفوذها باتجاه السودان ، بالتعاون مع حاكم مصر محمد علي باشا الألباني، وقد تميزت فترة السيادة العثمانية المصرية على السودان ، التي استمرت 60 عاماً ، بفرض ضرائب كثيرة على الأهالي، والاستفادة من الثروات السودانية في تعزيز موارد الدولة العثمانية ودولة محمد علي في مصر، وأدخلت الإدارة العثمانية المصرية للسودان الكثير من التحسينات على هذه البلاد ، في مجالات المواصلات والزراعة، وظهرت طرق جديدة في الري، وأدخلت البذور المحسنة إلى السودان لأول مرة في حياتها، وفي الجانب الآخر كانت الأتاوات والضرائب الباهظة سبباً لقيام الثورات ضد الحكم المصري العثماني للسودان في عام 1881م / 1299هـ ، حيث نجح الإمام المهدي في ثورته، وطرد الجيش المصري العثماني، وأقام حكومة سودانية وطنية، واستمرت الدولة المهدية حتى عام 1898م، وحققت وحدة للبلاد، بما في ذلك منطقة الجنوب([2]).
سابعاً: الاحتلال البريطاني للسودان.
انهارت الدولة المهدية بدخول القوات البريطانية إلى السودان بأوامر من اللورد كرومر المعتمد البريطاني في مصر ، ومعاونة الجيش المصري في ظل حكومة الخديوي ، حيث كان الوجود المصري اسمياً وشكلياً، والوجود الإنكليزي هو الفعلي وهو الذي يحكم البلاد وينهب ثرواتها ومقدراتها، وفي عام 1899م وقعت مصر وبريطانيا اتفاقية ثنائية بينهما لحكم السودان، وفي ظل الاستعمار الانكليزي للسودان المصحوب بإدارات مصرية، استطاعت الحركة المهدية أن تستقطب الشعب وتدير الكثير من المشاريع التي تدر دخلاً ومردوداً يحقق مصالحه، ومن أبرز هذه المشاريع إصدار جريدة الحضارة، وتأسيس المدارس، ومنح المساعدات للطلبة السودانيين الدارسين خارج البلاد، ولم تدخر القيادات الوطنية السودانية وسعاً في تحريك مشاعر المواطنين وإثارة نقمتهم ضد الإنكليز، وحثهم على الثورة، والمطالبة بالوحدة مع مصر، ومن أهم تلك الثورات ثورة عام 1343هـ / 1924م التي اشتهرت بثورة عام 1924م ، وشملت أغلب البلاد، وفي عام 1936م وقعت اتفاقية بين مصر وبريطانيا تكرس اتفاقية عام 1899م ، التي حكمت بريطانيا من خلالها السودان بإدارة مصرية، واستمر الشعب السوداني بالمطالبة في الاستقلال إلى أن تحقق في /5/ جمادى الأولى 1375هـ / 19 ديسمبر كانون الأول عام 1955م، حيث أعلن عن ذلك إسماعيل الأزهري زعيم الحزب الوطني الاتحادي السوداني من داخل البرلمان السوداني، وفي 17 جمادى الأولى 1375هـ / 1 يناير كانون ثاني 1956م([3])، تم إعلان الاستقلال، وصار يوم الاستقلال عيداً وطنياً للسودان يحتفل به في كل عام.
ثامناً: جمهورية السودان بعد الاستقلال.
تميزت الدولة السودانية خلال فترة الاستقلال وتشكلت بالموقع الذي يشغله رجل قوي مركزي في رأس السلطة، وتميزت أيضاً بالمشاركة السياسية المحدودة في فترات الديمقراطية، كما تميزت بعدم الاستقرار بسبب الحرب في الفترات العسكرية، وبسبب الصراع الناتج عن عوامل اقتصادية واجتماعية وسياسية، وأخيراً تميزت بالقهر الفكري وانعدام الرأي الآخر، وتناوب على السلطة في ظل النظام الجمهوري منذ الاستقلال العديد من الرؤساء والحكومات كان على الشكل التالي:
- قيام الجنرال إبراهيم عبود بالانقلاب العسكري ضد الحكومة المدنية المنتخبة في مطلع عام 1958م.
- اندلاع ثورة أكتوبر تشرين الأول عام 1964م، التي أطاحت بالجنرال عبود ، وتشكيل حكومة وطنية برئاسة الصادق المهدي.
- الانقلاب العسكري الذي قاده الرائد جعفر النميري فيما عرف بثورة مايو / أيار 1969م، حيث حكم السودان منذ عام 1969م حتى عام 1985م ، في ظل قانون الطوارئ والأحكام العرفية التي طبقها طوال هذه الفترة، حيث قام المشير عبد الرحمن سوار الذهب بانقلاب عسكري عليه، أنهى حكمه العسكري العرفي للبلاد، وبعد فترة وجيزة لا تتعدى العام، تنازل عن السلطة لحكومة مدنية ترأسها زعيم الحركة المهدية في السودان الصادق المهدي، استمرت في مهامها كحكومة مدنية إلى حين قيام الفريق عمر حسن أحمد البشير بالانقلاب العسكري عليه في عام 1989م، وإعلان قيام حكومة إنقاذ وطني بعد أن تردت الأوضاع في السودان إلى درجة خطيرة، انتشرت خلالها المجاعة، وحقق التمرد الذي أثارته الدول الغربية وأمريكا في الجنوب بقيادة جون قرنق عام 1983م ضد حكومة الخرطوم الشمالية، نجاحات وتقدماً ، احتلوا خلالها مناطق واسعة في طريق تقدمهم نحو الشمال، وتوسيع دائرة تمردهم، كما تراجع الاقتصاد الوطني إلى حد كبير، وانهارت قيمة العملة (الدينار السوداني) ، الأمر الذي دفع بالعسكريين الوطنيين ، ومعهم بعض التيارات السياسية المحافظة ، للقيام بهذا الانقلاب لتخليص البلاد من الويلات التي تعاني منها، لكن على الرغم من كل الخطوات التي اتخذتها حكومة البشير بعد توليها السلطة عام 1989م، فإنها لم تتمكن من إيقاف الحرب الأهلية طوال عقد التسعينات من القرن العشرين، وبعد جهد كبير تمكنت من توقيع اتفاق سلام مع حركة التمرد الجنوبية في ديسمبر كانون أول 2004م، يقضي بإعطاء مهلة مدتها /6/ سنوات تبدأ منذ توقيع الاتفاق ،يشرك الجنوبيون خلالها في السلطة، ثم يجرى استفتاء شعبي في المناطق الجنوبية في نهاية مدة السنوات الست المقررة في الاتفاق ، يقرر خلاله مستقبل الجنوب بالانفصال عن الدولة الأم أم بإبقائه مع الدولة الاتحادية بحكم ذاتي موسع.
وفي ظل هذه الحكومة أيضاً اندلعت الأزمة في إقليم دارفور غرب السودان، وأدت إلى حدوث انشقاق جديد ونشوء حركة عسكرية مسلحة ضد الحكومة السودانية مع مطلع عام 2004م، وما زالت هذه الحكومة تبذل جهوداً مضنيةً على الصعد المختلفة محلياً وأفريقياً وعربياً ودولياً لتطويق أزمة دارفور وحلها وإنهاء التمرد فيها، وتشير الدلائل إلى تزايد فرص التوصل إلى حل لمشكلة دارفور من خلال المساعي المخلصة والدبلوماسية الهادئة المتواصلة التي تبذلها حكومة الإنقاذ الوطنية بزعامة رئيس الجمهورية السودانية الفريق عمر البشير، الذي مضى على وجوده في السلطة أكثر من خمسة عشر عاماً وهو يكافح للخروج بالبلاد من أزماتها العديدة المتلاحقة. والتي كان أخرها الاضطرابات التي عمت بعض المدن السودانية وبالذات في الجنوب والعاصمة الخرطوم بعد مقتل النائب الأول للرئيس وزعيم حركة التمرد سابقاً "جون قرنق".