إن عقد الزواج هو ارتباط بين روحين، هذا الارتباط الذي منه تولد السكينة والمودة والرحمة التي قال الله تعالى فيها: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}. وهذا العقد يتعهد فيه الزوجان بأن يوثقا من رباط الأمانة والصدق والبذل والتضحية من أجل الآخر والصبر على ما يعكر صفوها والشكر على النعمة.
ولكن اختلافات الزوجين الناجمة عن أن كل منهما قد يكون تربى في بيئة تختلف عن الأخرى، وهاتان البيئتان المختلفتان لا بد وأن تنتج عنهما طريقتا تعامل تختلف كل منهما عن الأخرى، فطريقة التعامل هذه قد ترضي الطرف الآخر وقد تغضبه وقد توصله حد المطالبة بالانفصال وقد تكون من نوع السلوك الذي يمكن تغييره أو الواجب تغييره، كل هذا يختلف بمعرفة نوع السلوك وطريقة التصرف إزاءه. هناك سلوك يقف فيه الآخر موقفاً محايداً لا هو يرفضه ولا يقبله على علاته، وذلك لأنه لا يدخل في بند اتفاقهما أو اختلافهما، ولا أثر له على حقوق أحد منهما بالآخر، فهذا لا يؤثر على حياتهما، ولا يكون مثار جدل بينهما، كطريقة تناول الطعام أو تفضيل ألوان معينة.
وهناك السلوك الذي يدعو إلى ضيق الطرف الآخر، ولكن من السهولة تغييره من أجل بعث الوفاق والوئام بينهما وهو سعي نحو الأفضل، كالتنسيق بينهما للخروج والزيارات ودعوة الأصدقاء، ومراعاة مزاج الآخر، فهذا النوع من السلوك إذا تم تغييره فسيجلب السعادة ويزيد من المحبة. وأيضاً هناك سلوك هو أقرب للطبيعة البشرية التي تتزايد فيها معدلات الصفات الكاملة وتتناقص، وهذه مثل الفتور بين الأزواج أو سرعة الغضب فهو يدعو إلى ضيق الطرف الآخر بلا شك ولا بد من تغييره ولكن يرتبط بهذا التغيير تبعات أخرى قد تسبب ضرراً آخر أو قد يكون تغييرها صعباً جداً، فهنا إذا كان المتضرر من هذا السلوك هو الزوج أو الزوجة فعليهما بالصبر والمحاولة مرات ومرات مع تذكير الطرف الآخر بسلبيات هذا السلوك وايجابيات السلوك الآخر دون حساسية أو توبيخ حتى لا تتحول المسألة إلى نتيجة عكسية أو عبارة عن فعل وردة فعل.
أما السلوك الذي يتضايق منه الطرف الآخر بل يدعو إلى إثارة غضبه وهو غير مرضي بشكل عام ويجب تغييره، حتى وإن كان تغييره صعباً، فهو أمر واضح وجلي ويدخل فيه عدم طاعة الزوجة لزوجها وعدم إعطاء الزوج زوجته حقوقها وأمور نهى عنها الشرع حتى في إطار العلاقات العادية مثل إخلاف الوعد والكذب ونحو ذلك، فوجوب تغيير هذا السلوك إنما هو صادر عن الشرع، حيث قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، كما قال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ}.