تقول الهندسة النفسية إن لكل إنسان طريقته الخاصة في التفكير. وهذا الاختلاف في التفكير يرجع إلى كيفية حصول الإدراك للعالم الخارجي عن طريق مركبات ثلاث هي الحواس الرئيسة: السمع، والبصر، والفؤاد ( مركز الإحساس والشعور). فعندما تقابل شخصاً فإن في ذهنه طريقة معينه لتمثيل هذه المركبات الثلاث.وإذا ما استطعت أن تعرف كيف يفكر هذا الشخص فإنك تستطيع أن تتعامل معه بسهولة، وأن تكيف سلوكك ليتلاءم مع نظامه التمثيلي لتلك المركبات، وبالتالي يمكنك أن تؤثر فيه. فالهندسة النفسية تجعل من اليسير التعرف على الطريقة التي يفكر بها رجل ناجح في عمله مثلاً، أو رجل يتقن مهارة معينة، أي أنها تزيح الستار عن أسرار النجاح والتفوق لدى بعض الناس، وتتيج لنا الوصول إلى ( وصفة ) ملائمة لذلك النجاح والتفوق. ثم إنها تتيح لنا استخدام تلك الوصفة لتحقيق ما نريد تحقيقة من أهداف ومقاصد.
نرى رجالاً ونساء ذوا حظ وافر من الذكاء، ولكنهم لم ينجحوا في حياتهم. ونرى في الجانب الآخر أشخاصاً أقل ذكاء، ولكنهم شقوا طريقهم، وحققوا لأنفسهم سجلاً حافلاً من الإنجازات، والأعمال، سواء في ميادين القيادة أو التجارة، أو الرياضة، أو الحياة الاجتماعية، أو غير ذلك. الهندسة النفسية تساعدنا على كشف تلك الأسرار، ومعرفتها، وفهمها، وتطبيقها. ووجهه نظر الهندسة النفسية هي: إذا كان أمر ما ممكنا لبعض الناس فهو ممكن للآخرين كذلك. ولا يعني هذا أن تكون نسخة مطابقة للشخص الآخر، وإنما تكون طريقة تفكيرك، واستراتيجية حياتك متفقة مع (وصفة) النجاح التي تم اكتشافها).
تقوم الهندسة النفسية على ركنين أساسيين: الأول هو نظام الإيمان والاعتقاد بمعناه اللغوي العام. والثاني هو كيفية تعاقب الأفكار والتصورات، وما ينتج عن هذه الأفكار والتصورات من فعل أو قول أو سلوك. الإيمان من جهة، والحواس من جهة أخرى، وبينهما العقل يذهب إلى الحواس يستزيد منها علما ومعرفة، ويرجع إلى الإيمان يهذبه من شوائب الأوهام، وينقيه من أدران الخرافة، ويضيء له الطريق، ويفتح له الآفاق، ويهديه إلى صراط مستقيم. ما عندما تفجأهما سيارة مسرعة. الاثنان يسمعان صوت السيارة. الشخص المبصر يلتفت فيرى السيارة قادمة من اتجاه معين فيتحرك بسرعة مخلياً الطريق لها. أما الأعمى فلا يرى اتجاه السيارة ولا سرعتها، وبالتالي لم يتحرك من مكانه.
استجابتان مختلفتان تؤديان إلى نتيجتين مختلفتين. ما الفرق بين إنسانين يسقطان في الماء، أحدهما يعرف السباحة والآخر لا يعرفها. يمكن أن يغرق الاثنان أو ينجو بإرادة الله. ولكن سنن الحياة وقوانين الكون تقول بأن للأول فرصة في النجاة أكبر من الثاني.
إن إرادة الإنسان خاضعة لإرادة الله وإن نجاحه بيد الله، فكل شيء بأمر الله . ولكن الله جعل شيء سبباً. وعندما نقول: إن الطبيب شفى المريض فإنما نعني بأنه كان سبباً في شفاء المريض. وإذا أراد الله للإنسان خيراً هداه إلى الخير. وقد وضع الله لهذا الكون قوانين، ولهذه الحياة سنناً يخضع لها المؤمن والكافر، ويتبعها البر والفاجر، ومن هذه القوانين الجازمة قانون التغيير(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) (الرعد: 11).
والهندسة النفسية طريقة أو وسيلة تعين الإنسان على تغيير نفسه: إصلاح تفكيره، وتهذيب سلوكه، وتنقية عاداته، وشحذ همته، وتنمية ملكاته ومهاراته، وكذلك الهندسة النفسية طريقة ووسيلة تعين الإنسان على التأثير في غيره. فوظيفة هذا العلم إذن وظيفتان، ومهمته اثنتان: التغيير والتأثير. تغيير النفس وتغيير الغير. وإذا ملك الإنسان هذين الأمرين فقد وصل إلى ما يريد، ونال ما يطلب.