شـرح الأحـاديـث الـقـُـدسِـيّـة
عـن أبـي هـريـرة رضي الله عـنـه قــال :
قــال رسـول الله صلى الله عـلـيـه وسـلـم :
((
قـال الله عـزّ وجَـلّ ... إذا هَـمّ عـبـدي بـسـيـئـةٍ فـلا تـكـتـبـوهـا
عـلـيـه ، فـإن عـمـلـهـا فـاكـتـبـوهـا سـيـئـة ، وإذا هَـمّ بـحـسـنـة
فـلـم يـعـمـلـهـا فـاكـتـبـوهـا حـسـنـة ، فـإن عـمـلـهـا فـاكـتـبـوهـا
عَـشـْرًا ... رواه مسلم )) .
**..,..**..,..**..,..**..,..**..,..**
شــرح الـحـــديــث
قــال الامـام الـمـازري رحـمـه الله فـي تـفـسـيـر هـذا الـحـديـث :
مـذهـب
الـقـاضـي أبـي بـكـر بـن الـطـيـب أن مـن عـزم عـلـى الـمـعـصـيـة
بـقـلـبـه ووطـّـنَ نـفـسـه عـلـيـهـا أثِـمَ فـي اعـتـقـاده وعـزمـه .
وأمـا ظـاهـر الـحـديـث فـمـقـصـود بـه مـن لـم يُـوطِـّـن نـفـسـه عـلـى
الـمـعـصـيـة ، وإنـمـا مَـرّ ذلـك بـفـكـره مـن غـيـر اسـتـقـرار ،
ويُـسَـمّـى هـذا هَـمّــًـا ولـيـس عـزمًـا .
ويـرى كـثـيـر مـن الـفـقـهـاء والـمـحَـدّثـيـن خـلاف ذلـك ، حـيـث يـأخـذون بـظـاهـر الـحـديـث .
ويُـعَـلـّـق الـقـاضـي عـيـاض عـلـى الـرأي الأول فـيـقـول :
عـامّـة
الـسّـلــَـف وأهـل الـعـلـم مـن الـفـقـهـاء والـمـحـدثـيـن عـلـى مـاذا
ذهـب إلـيـه الـقـاضـي أبـو بـكـر للأحـاديـث الـدالـة عـلـى الـمـؤاخـذة
بـأعـمـال الـقـلـوب لـكـنـهـم قــالــوا :
إن هـذا الـعـزم
يُـكـتـب سـيـئـة ولـيـسـت الـسّـيّـئـة الـتـي هَـمّ بـهـا لـكـونـه لـم
يـعـمـلـهـا ، لـكـن لـو تـركـهـا خـشـيـة لله تـعـالـى كـُتِـبَـتْ
حـسـنـة ، كـمـا فـي الـحـديـث ، فـصـار تـركـه لـهـا لـخـوف الله تـعـالـى
ومـجـاهـدتـه نـفـسـه الأمّـارة بـالـسـوء فـي ذلـك وعـصـيـانـه هـواه
حَـسَــنـة ، وأمّـا الـهَـمّ الـذي لا يُـكـتـب فـهـي الـخـواطـر الـتـي
لا تـُـوطـّن الـنـفـس عـلـيـهـا ولا يـصـحـبـهـا عـقـد ولا نـيّـة ولا
عـزم .
وهـنـاك بـعـض الـنـصـوص الـتـي تـؤيـد الـقـول الـذي يـرى أن
هـنـاك مـؤاخـذة بـعـزم الـقـلـب الـمـسـتـقـر ، ومـن ذلـك قـول الله
تـعـالـى :
{ إن الـذيـن يُـحـبـون أن تـشـيـع الـفـاحـشـة فـي الـذيـن آمـنـوا لـهـم عـذاب ألـيـم }
{ اجـتـنـبـوا كـثـيـرا مـن الـظـنّ إن بـعـض الـظـن إثـم }
وقـد اتـفـقـت نـصـوص الـشـرع وإجـمـاع الـعـلـمـاء عــلــى :
تـحـريـم الـحـسـد ... واحـتـقـار الـمـسـلـمـيـن ... وإرادة الـمـكـروه بـهـم ... وغـيـر ذلـك مـن أعـمـال الـقـلـوب وعـزمـهـا .
قـال الإمـام أبـو جـعـفـر الـطـحـاوي رحـمـه الله فـي هـذا الـحـديـث وأمـثـالـه :
إنـه
دلـيـل عـلـى أن الـحَـفـظـة ( الـمـلائـكـة الـكـرام الـكـاتـبـيـن )
يـكـتـبـون أعـمـال الـقـلـوب وعـقـدهـا خـلافـًـا لـمـن قـال ... أنـهـا
لا تـكـتـب إلا الأعـمـال الـظـاهـرة .