جئت إلى العالم بدون مقدمات.. وبلا
مساومات.. ولدتُ في وقتٍ صعب على طول زمن الترحال.. خبأتني أمي بعبائتها
الليلية السوداء.. كبرتُ في أحضانها أتخبط بنسرين رائحتها..
تلفظني
الأيام بشدة ترديني قتيلاً..
بين أحضانها أرضعتني حليب الوطن..
وعشق الوطن..
أودعت بداخلي سر الحب.. وهبتني ما يحتاجه كل إنسان
يتحصن الحياة.. علمتني أن يكون لوجودي هدف يجب أن أصل إليه ما دمت حياً..
ما
زالت نصائحها تمر أمامي كشريط ذكريات كلما خطرتْ على بالي.. وكلما خطوت
شبراً في معترك الحياة البائسة..
-الدنيا يا بُني شلّة صوف.. إذا
تعاملت معها بلينٍ ويُسر.. فلن تتعقد.. وإن تعقدتْ!! إياك والهزيمة..
-
يا بُني.. الصبر على السفيه صدقة..
- يا بُني لا تأكل قبل أن يشبع من
يخدمك..
- يا بُني ثبت أقدامك على الأرض قبل أن تتعامل مع عواطفك..
-
يا بُني ليس كل البشر يُجدي معهم العتاب..
- يا بُني الكلمة الطيبة
صدقة..
- يا بُني... يا بُني... يا بُني...
وكانت الحرب ووجدت
نفسي داخل عبائتها مرةً ثانية، تغطيني بحنانها لتحجب عني نيران الحرب..
أسمع دقات قلبها المتلاحقة.. ألمح وجهها الذي ملأه الذعر.. أشعر بيديها
المرتجفتين تمر فوق جسدي.. لتُبقيني في حضنها أياماً طويلة.. ولكني لم أر
في عينيها أي دمعة.. بل نظرات التحدي والقوة والصبر..
لم أعد أذكر
شيئاً.. كل الذي أذكره حضنها الدافئ وصدرها الخفاق الذي احتواني منذ
طفولتي..
وجاء يوم رحيلي.. نظرت إليها فوجدتها تومئ إلىّ بنظراتها
الحنونة.. تدعوني لأحضانها.. وكانت صدمتي بدموع أمي.. تذكرت حينها شلة
الصوف التي تعقدت وبدت كمعضلة ليس لها حل.. ودموع أمي تخترق ذاكرتي..
تكويني.. وكلما نظرت إليها ينعصر قلبي ألماً... فأيقنت أن لأمي دموع..