فكلمة الحق لها ضوابط غير التي علمناها من الله ورسوله .. ومعايير الجنة والنار تغيرت بعد وفاة حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم !..
وهذه حقيقة لا تقاس بالتنظير الفارغ .. بل المشاهد والملموس هو الفيصل هنا ..
بعد هذا دعونا نكتب تاريخ مختصر لمن أسماه بعض غلاتنا اليوم بـ ( أمير المؤمنين ) .. ولن أتحدث عن مكانة الحسين بن علي .. فمكانته من مسلمات المسلمات بنصوص لا تخفى عن العوام فضلاً عن جل أعضاء المنتدى ..
يقول أحد غلاة عصرنا بأن يزيد ليس فاسقاً .. والأصل هو العدالة !.. وهكذا بنى بنيانه على شفى جرف ! فلا دليل لديه ولا بينة .. ولكن الأرجح عندنا أنه خشي أن يقال عنه شيعي .. لأن الشيعة تلعن يزيد صبح مساء !!
ولو عدنا إلى كتبنا التي نعتمد عليها لوجدنا نقيض ذلك .. فنقرأ عند الذهبي في سير أعلام النبلاء ما نصه : ( وكان ناصبيا .. فظا .. غليظا .. جلفا .. يتناول المسكر ويفعل المنكر .. افتتح دولته بمقتل الشهيد الحسين .. واختتمها بواقعة الحرّة .. فمقته الناس .. ولم يبارك في عمره .. وخرج عليه غير واحد بعد الحسين .. ) [ ج 4 ص 37 و 38 ]
وقال الشوكاني في نيل الأوطار من أحاديث سيد الأخيار شرح مقتفى الأخبار:
( أفرط بعض أهل العلم كالكرامية ومن وافقهم في الجمود .. حتى حكموا بأن الحسين السبط رضي الله عنه وأرضاه .. باغ على الخمير السكير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية .. فيا لله العجب من مقالات تقشعر منها الجلود ويتصدع من سماعها كل جلمود ) [ ج 7 ص 176 ]
وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب في أخبار من ذهب :
(والحق إن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك .. وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .. مما تواتر معناه .. وإن كان تفصيله آحادا .. فنحن لا نتوقف في شأنه .. بل في كفره وإيمانه .. .. ) [ ج 1 ص 123 ]
وقد بالغ أحدهم في تبرئة يزيد من أن يكون له يد في قتل الحسين .. وأن يزيد لم يسبي نساءه !.. وأن هذه المزاعم لا توجد إلا في كتب الشيعة !.. وقد بنى هذا معتمداً على قول ابن تيمية في هذا الشأن ..
ومما يجدر بنا أن نشير إليه .. أن بعض المغفلين يأخذون أقوال إبن تيمية وكأنها مسلمات !! فلا يتأكدون من مزاعمه .. ويعتقدون في كل ما يقول الصحة .. وهذه من كوارث بعض العقول التي نحاول أن نوقضها من سباتها العميق ..
قال ابن تيمية في منهاج سنته ! في نقض كلام الشيعة والقدرية ( لمّا بلغ يزيد قتل الحسين أظهر التوجع على ذلك وظهر البكاء في داره .. ولم يسبِ لم حريما بل أكرم أهل بيته .. أما الروايات التي في كتب الشيعة أنه أهين نساء آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهن أخذن إلى الشام مسبيات وأهن هناك هذا كله كلام باطل .. ) [ ج 2 ص 249 ]
أقول : بل هذا الكلام هو الباطل للأسف .. فالروايات في مصادرنا .. وعلماؤنا الأحرار يقرون بهذا لاشك .. لأنها ثابتة كثبوت أن شهر رمضان هو شهر الصيام !..
نقدم بأقوال العلماء .. ذكر الذهبي يزيد بن معاوية في كتابه " ميزان الاعتدال " وقال عنه : ( مقدوح في عدالته .. ليس بأهل أن يروى عنه .. وقال أحمد بن حنبل : لا ينبغي أن يروى عنه ) [ ج 4 ص 440 ]
وجاء عند السيوطي في تاريخ الخلفاء – ص 165 : ( ... فكتب يزيد إلى واليه بالعراق عبيدالله بن زياد بقتاله - أي الحسين - )
وقال ابن كثير في البداية والنهاية : ( وقد أخطأ يزيد خطأ فاحشا في قوله لمسلم بن عقبة أن يبيح المدينة ثلاثة أيام .. وقد تقدم أنه قتل الحسين وأصحابه على يدي عبيدالله بن زياد .. ) [ ج 8 ص 178 ]
قال إبن العماد الحنبلي في شذرات الذهب في أخبار من ذهب : ( والحق أن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مما تواتر معناه وإن كان تفصيله آحادا .. ) [ ج 1 ص 123 ]
وجاء في رسالة يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة : ( أما بعد .. فخذ حسينا وعبدالله بن عمر وعبدالله بن الزبير بالبيعة أخذا شديدا .. ليست فيه رخصة حتى يبايعوا .. ) [ الطبري : تاريخ الأمم والملوك – ج 3 ص 169 . ابن كثير : البداية والنهاية – ج 8 ص 118 . ابن الأثير : الكامل في التاريخ – ج 3 ص 377 ]
ونقل ابن كثير قول يزيد بن معاوية عن نفسه : ( فأبغضني البر والفاجر بما استعظم الناس عليّ من قتلي حسينا ) [ البداية والنهاية – ج 8 ص 186 . وانظر ابن الأثير : الكامل في التاريخ – ج 3 ص 440 ]
ويؤكد ذلك ما قاله السيوطي : ( ولمّا قتل الحسين وبنو أبيه .. بعث ابن زياد برؤوسهم إلى يزيد .. فسرّ بقتلهم أولا .. ثم ندم لما مقته المسلمون على ذلك وأبغضه الناس .. وحق لهم أن يبغضوه ) [ تاريخ الخلفاء – ص 166 ]
هل ثبت سبي يزيد لنساء الحسين بروايات في كتبنا ؟!
( أتمنى أن لا تمر عليكم هذه الرواية بدون أن تتأملوها ) روى ابن كثير عن فاطمة بنت علي قالت : ( إن رجلا من أهل الشام أحمر قام إلى يزيد فقال : ياأمير المؤمنين هب لي هذه – يعنيني – وكنت جارية وضيئة .. فارتعدت فزعة من قوله وظننت أن ذلك جائز لهم .. فأخذت بثياب أختي زينب – وكانت أكبر مني وأعقل وكانت تعلم أن ذلك لايجوز - .. فقالت لذلك الرجل : كذبت والله ولؤمت وما ذلك لك وله .. فغضب يزيد فقال لها : كذبت والله إن ذلك لي .. ولو شئت أن أفعله لفعلت ..
قالت : كلا والله ما جعل الله ذلك لك إلا أن تخرج من ملتنا وتدين بغير ديننا .. قالت : فغضب يزيد واستطار ثم قال : إياي تستقبلين بهذا ؟ إنما خرج من الدين أبوك وأخوك .. فقالت زينب : بدين الله ودين أبي ودين أخي وجدي اهتديت أنت وأبوك وجدك .. قال : كذبت يا عدوة الله .. قالت : أنت أمير المؤمنين مسلط تشتم ظالما وتقهر بسلطانك ..
ثم قام ذلك الرجل فقال يا أمير المؤمنين هب لي هذه .. فقال له يزيد : اعزب .. ) [ ابن كثير : البداية والنهاية – ج 8 ص 156 . ابن الأثير : الكامل في التاريخ – ج 3 ص 438 و 439 . الطبري : تاريخ الأمم والملوك – ج 3 ص 339 ]
ولهذا قال ابن العماد الحنبلي : ( ولمّا تم قتله – يعني الحسين عليه السلام – حمل رأسه وحرم بيته وزين العابدين معهم إلى دمشق كالسبايا ) وقال التفتازاني : ( والحق إن رضا يزيد بقتل الحسين واستبشاره بذلك ، وإهانته أهل بيت رســول الله صلى الله عليه وسلم مما تواتر معناه .. ) [ ابن العماد : شذرات الذهب في أخبار من ذهب – ج 1 ص 122 و ص 123 ]
أقول بعد هذا العرض المبسط .. هذا ما ورد في كتبنا وبأقوال أهل العلم ذكرناها على سبيل المثال لا الحصر .. ليتضح بطلان وفساد قول من زعم أن يزيد بن معاوية لم يكن له يد في قتل الحسين .. وأنه لم يسبِ نساءه .. وما أجمل تعبير السيوطي عن وقعة كربلاء .. التي عبّر عنها في تاريخ الخلفاء بقوله : ( لا يحتمل القلب ذكرها ) ..
وليتنا نتعلم من هذا شيء .. خفي علينا بفعل فاعل !.. فالخصومات تقلب الحقائق وتحاول أن تطمسها في عقولنا ..
فقبل حقبة من الزمان كنت أجهل حجة من.. وكنت أتصوره لا يستند على شيء .. فعلمت بعد أن قرأت التاريخ من مصادره .. بأنه أنا من كان لا يستند على شيء البتة !