تسأل القارئة سماح علي من الجيزة قائلة: توفي والدي
ودخلت والدتي في العدة فقالت لها بعض النساء إنه يحرَّم عليها أن تري أو
تتكلم مع غير محارمها. فهل هذا صحيح شرعاً؟
** يجيب فضيلة الدكتور
عبدالله سمك رئيس قسم الأديان والمذاهب بجامعة الأزهر فيقول: يشيع في
مجتمعنا خاصة بين النساء كلام كثير يتعلق بعدة الوفاة لا أصل له في الدين.
فيقال مثلاً: إن المرأة المتوفي عنها زوجها تدخل عدة الوفاة متي شاءت
ويُقال إن المرأة الكبيرة في السن لا تعتد عدة الوفاة كما يقال إن المعتدة
عدة وفاة لا يجوز أن يراها الرجال الأجانب مطلقاً. وأنهم إذا رأوها بطلت
عدتها.
ومما يذكر أيضاً في هذا الصدد أن المعتدة عدة وفاة لا تتكلم مع
غير محارمها. ولا ترد علي التليفون. ولا تنشر الغسيل إلي غير ذلك من
الأقاويل التي ليس لها مستند شرعي.
والأصل أن نتلقي الأحكام من كتاب
الله عز وجل ومن سنة نبيه صلي الله عليه وسلم لأن عدة الوفاة أمر تعبدي
أوجبه الله علي المرأة.
ويجب أن يعلم أولاً أن عدة الوفاة فريضة علي كل
امرأة مات عنها زوجها سواء كانت عجوزاً أو غير عجوز. وسواء كانت تحيض أو
لا تحيض. والمدخول بها وغير المدخول بها فكلهم سواء في لزوم عدة الوفاة
لقول الله تعالي : "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن
أربعة أشهر وعشراً".
فالآية الكريمة عامة في كل زوجة مات عنها زوجها
لقوله تعالي: "أزواجاً" فيجب علي كل زوجة مات عنها زوجها أن تعتد أربعة
أشهر وعشرة أيام. إلا إذا كانت حاملاً فتعتد بوضع الحمل علي الراجح من
أقوال أهل العلم.
ويدل علي وجوب العدة قوله تعالي: "يتربصن" فهذا خبر
بمعني الأمر والأصل في الأمر أنه يفيد الوجوب.
ثانياً: تبدأ عدة الوفاة
عقب وفاة الزوج. فتحسب المتوفي عنها زوجها عدتها من يوم موت زوجها وهذا
باتفاق الفقهاء وليس صحيحاً أن المرأة المتوفي عنها زوجها تختار وقت دخولها
في عدة الوفاة.
ثالثاً: تنتهي عدة الوفاة بانقضاء أربعة أشهر وعشرة
أيام من تاريخ وفاة الزوج. إذا لم تكن الزوجة حاملاً. وأما الحامل فتنقضي
عدتها بوضع الحمل لقوله تعالي:
"وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن".
رابعاً:
تستقر المعتدة عدة وفاة في بيت الزوجية. فقد ورد في الحديث عن فُريعة بنت
مالك وهي أخت أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قالت: "خرج زوجي في طلب عبيد
له قد هربوا فأدركهم فقتلوه فأتي نعيه وأنا في دار شاسعة من دور أهلي فأتيت
النبي صلي الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقلت: إن نعي زوجي أتاني في دار
شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالاً ورثته. وليس المسكن له فتحولت
إلي أهلي وإخواني. فكان أرفق لي في بعض شأني. فقال: تحولي. فلما خرجت إلي
المسجد أو إلي الحجرة دعاني فقال: "أمكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك.
حتي يبلغ الكتاب أجله" قالت: "فاعتددت أربعة أشهر وعشراً" رواه أبوداود
والترمذي والنسائي وابن ماجة وأحمد وقال الترمذي: حسن صحيح.
ولا تخرج
المعتدة من بيتها إلا للأمور الضرورية كالذهاب إلي مستشفي للعلاج ولشراء
حوائجها من السوق كالطعام والملابس وغيرها إذا لم يكن لديها من يقضي
حوائجها.
وقد أذن النبي صلي الله عليه وسلم للمعتدة أن تخرج من بيتها
للعذر. فعن جابر رضي الله عنه قال:
"طُلِّقت خالتي ثلاثاً. فخرجت تجد
نخلاً لها فلقيها رجل فنهاها. فأتت النبي صلي الله عليه وسلم فذكرت ذلك له
فقال: اخرجي فجدي نخلك لعلك أن تصدقي منه أو تفعلي خيراً".
وروي الحجاج
بن منهال أن امرأة سألت أم سلمة بأن أباها مريض وأنها في عدة وفاة فأذنت
لها في وسط النهار. وإذا خرجت المعتدة لغير حاجة فعدتها لا تبطل وتستغفر
الله عز وجل وتتوب.
والعدة لا تُقضي. فإن خرجت المرأة لغير حاجة وباتت
في غير منزلها لغير ضرورة فلا إعادة عليها لأن العدة تنقضي بمضي أربعة أشهر
وعشراً من الموت.
خامساً: علي المعتدة عدة وفاة أن تحد علي زوجها
ويلزمها أن تتجنب الملابس الجميلة المزينة ويجوز لها أن تلبس ما عداها وهذا
لا يعني أن تكون الملابس سوداء كما جرت عادة النساء في بلادنا وعليها أن
تتجنب جميع أنواع العطور والمكياج والكحل وأن تتجنب التزين بالذهب والفضة
ونحوهما.
سادساً: لا تسافر المعتدة عدة وفاة مطلقاً. ولا لحج أو عمرة.
سابعاً:
يجوز للمعتدة أن تري الرجال الأجانب وأن ينظروا إليها وتتكلم معهم مادام
ذلك ضمن الضوابط الشرعية المقررة كما قال تعالي: "فلا تخضعن بالقول فيطمع
الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً".
ولو رآها شخص أجنبي أو كلمها
أثناء عدتها فلا تبطل العدة وكذلك لايحرم عليها أمر من الأمور إلا ما ورد
الشرع بتحريمه.
ثامناً: لا يجوز لأحد أن يتقدم لخطبة المعتدة صراحة
خلال مدة العدة. ويجوز التعريض بذلك أي التلميح لقوله تعالي: "ولا جناح
عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم
ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سراً إلا أن تقولوا قولاً معروفاً ولا تعزموا
عقدة النكاح حتي يبلغ الكتاب أجله".
أي أن عدة الوفاة فريضة شرعية وهي
مسألة تعبدية لا تؤخذ أحكامها إلا من كتاب الله تعالي وسنة رسوله ولا يعتمد
في ذلك علي ما هو شائع ومنتشر بين الناس.
والله أعلم