بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمه الله وبركتو
فائدة من فوائد
الإمام الذهبي رحمه الله تعالى
قال الإمام الذهبي رحمه
الله في ترجمة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى .
قلت: كلام الاقران إذا
تبرهن لنا أنه بهوى وعصبية، لا يلتفت إليه، بل يطوى ولا يروى، كما تقرر عن
الكف عن كثير مما شجر بين الصحابة وقتالهم رضي الله عنهم أجمعين، وما زال
يمر بنا ذلك في الدواوين والكتب والاجزاء، ولكن أكثر ذلك منقطع وضعيف،
وبعضه كذب، وهذا فيما بأيدينا وبين علمائنا، فينبغي طيه وإخفاؤه، بل إعدامه
لتصفو القلوب، وتتوفر على حب الصحابة، والترضي عنهم، وكتمان ذلك متعين عن
العامة وآحاد العلماء، وقد يرخص في مطالعة ذلك خلوة للعالم المنصف العري من
الهوى، بشرط أنحيث يقول: [ والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا
ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ] [
الحشر: 10 ]
فالقوم لهم سوابق، وأعمال مكفرة لما وقع منهم، وجهاد محاء،
وعبادة ممحصة، ولسنا ممن يغلو في أحد منهم، ولا ندعي فيهم العصمة، نقطع
بأن بعضهم أفضل من بعض، ونقطع بأن أبا بكر وعمر أفضل الامة، ثم تتمة العشرة
المشهود لهم بالجنة، وحمزة وجعفر ومعاذ وزيد، وأمهات المؤمنين، وبنات
نبينا صلى الله عليه وسلم، وأهل بدر مع كونهم على مراتب، ثم الافضل بعدهم
مثل أبي الدرداء وسلمان الفارسي وابن عمر وسائر أهل بيعة الرضوان الذين رضي
الله عنهم بنص آية سورة الفتح (1)، ثم عموم المهاجرين والانصار كخالد بن
الوليد والعباس وعبد الله بن عمرو، وهذه الحلبة، ثم سائر من صحب رسول الله
صلى الله عليه وسلم وجاهد معه، أو حج معه، أو سمع منه، رضي الله عنهم
أجمعين وعن جميع صواحب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرات والمدنيات
وأم الفضل وأم هانئ الهاشمية وسائر الصحابيات.
فأما ما تنقله الرافضة
وأهل البدع في كتبهم من ذلك، فلا نعرج عليه، ولا كرامة، فأكثره باطل وكذب
وافتراء، فدأب الروافض رواية الاباطيل، أو رد ما في الصحاح والمسانيد، ومتى
إفاقة من به سكران ؟ ! ثم قد تكلم خلق من التابعين بعضهم في بعض،
وتحاربوا، وجرت أمور لا يمكن شرحها، فلا فائدة في بثها، ووقع في كتب
التواريخ وكتب الجرح والتعديل أمور عجيبة، والعاقل خصم نفسه، ومن حسن إسلام
المرء تركه ما لا يعنيه، ولحوم العلماء مسمومة، وما نقل من ذلك لتبيين غلط
العالم، وكثرة وهمه، أو نقص حفظه، فليس من هذا النمط، بل لتوضيح الحديث
الصحيح من الحسن، والحسن من الضعيف.
وإمامنا، فبحمد الله ثبت في الحديث،
حافظ لما وعى، عديم الغلط، موصوف بالاتقان، متين الديانة، فمن نال منه
بجهل وهوى ممن علم أنه منافس له، فقد ظلم نفسه، ومقتته العلماء، ولاح لكل
حافظ تحامله، وجر الناس برجله، ومن أثنى عليه، واعترف بإمامته وإتقانه، وهم
أهل العقد والحل قديما وحديثا، فقد أصابوا، وأجملوا، وهدوا، ووفقوا.
وأما
أئمتنا اليوم وحكامنا، فإذا أعدموا ما وجد من قدح بهوى، فقد يقال : أحسنوا
ووفقوا، وطاعتهم في ذلك مفترضة لما قد رأوه من حسم مادة الباطل والشر.
وبكل
حال فالجهال والضلال قد تكلموا في خيار الصحابة.
وفي الحديث الثابت: "
لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله، إنهم ليدعون له ولدا، وإنه ليرزقهم
ويعافيهم "
وقد كنت وقفت على بعض كلام المغاربة في الامام رحمه الله،
فكانت فائدتي من ذلك تضعيف حال من تعرض إلى الامام، ولله الحمد.
ولا ريب
أن الامام لما سكن مصر، وخالف أقرانه من المالكية، ووهى بعض فروعهم بدلائل
السنة، وخالف شيخه في مسائل، تألموا منه، ونالوا منه، وجرت بينهم وحشة،
غفر الله للكل، وقد اعترف الامام سحنون، وقال: لم يكن في الشافعي بدعة.فصدق
والله، فرحم الله الشافعي، وأين مثل الشافعي والله ! في صدقه، وشرفه،
ونبله، وسعة علمه، وفرط ذكائه، ونصره للحق، وكثرة مناقبه، رحمه الله تعالى.
المصدر
: سير أعلام النبلاء 10/92-95 .
قلت : فأنظروا يا إخواني إلى هذا
الكلام المتين من هذا الإمام الكبير في هذا الباب الذي صار في زماننا يعادى
ويوالى من أجل أن فلان من الناس تكلم في فلان وهو أقرانه فماذا لا نطبق
مثل هذا الكلام المتين من هذا الإمام على ما نحن فيه في عصرنا هذا فإذا كان
المتكلم والمُتكلم فيه كلاهما من أهل السنة ولم يكن عند أحدهم بدعة فلماذا
نأخذ بكلام أحدهم في الآخر فإنه النفس البشرية قد يقع منها الحسد والبغضاء
وقد يكون من أجل نقل كاذب أو غيره من الأسباب وقد وردت قصص كثير من ذلك
فنسأل الله أن يهدي الجميع لطاعته وأن يجمع القلوب على كتابه وسنة بينه صلى
الله عليه وسلم إنه جواد كريم .