لم
يرد نهي صريح في الإسلام عن زواج الأقارب، لأن الشريعة الإسلامية بنت
الزواج كعلاقة إنسانية على أساس القبول بين الطرفين، لذلك منحت الأفراد
الحرية الكاملة في اختيار الطرف الآخر في الزواج بما يتناسب مع الطبيعة
الاجتماعية والمادية، وبما يحقق التوافق الاجتماعي والنفسي، كما أن الطب
الحديث لم يؤكد أن زواج الأقارب ضار في كل أشكاله، ولكنه أوضح أن فيه
جوانب إيجابية كثيرة وقد يكون نافعا في بعض الأحيان، في حالة ارتفاع نسبة
الذكاء والجمال والقوة في العائلة، بالتالي فالقول بأن زواج الأقارب كله
ضرر كلاما ينقصه الصحة الطبية والعلمية، كما أن ظهور بعض الأمراض الوراثية
في الذرية في المجتمعات التي تنتشر بين أفرادها العوامل الوراثية المرضية
المتنحية انتشارا نحو 1 :8 تتساوى نسبة ظهورها في الذرية في زواج الأقارب
وزواج الأباعد على السواء.
وعن رأي الشرع في تلك القضية يقول
"مسعود صبري" - الباحث الشرعي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة – إن زواج
الأقارب لم يرد نهي عنه ولا أمر به في الشرع، وإنما ترك الأمر للإباحة،
حتى تدرس كل حالة على حدتها، فربما كان الأنسب أن يتزوج الرجل من قريبته
لاعتبارات اجتماعية ترجح الزواج مع القرابة، وربما كان الزواج من الأقارب
يفضي إلى قطع الرحم، أو زيادة المشاحنات بين الأقارب.
وقد حث
الرسول ( صلى الله عليه وسلم) على صفات يختار الرجل زوجته على أساسها، ولم
يذكر منها أن تكون الزوجة "قريبة " أو "غريبة" لا يربطها بزوجها نسب، بل
طلب التخير من الصالحات الأكفاء، فعن عائشة, قالت: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم {تخيروا لنطفكم, وانكحوا الأكفاء, وانكحوا إليهم} .
ومما
يدل على جواز الزواج من الأقارب أن الله تعالى زوج رسوله (صلى الله عليه
وسلم) ابنة عمته "زينب بنت جحش"، بل لم يزوج الله نبيه إحدى النساء غيرها،
وهي قريبته، وجاء النص القرآني يبيح هذا، فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ
أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ
وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ
خَالاتِكَ اللاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ" (الأحزاب الآية 50) فأباح له الزواج
من بنات العم والعمة، والخال والخالة، وهي من أدنى الدرجات قربا، فعرفت
الإباحة.
وفي تفسير الإمام "ابن كثير" لقوله تعالى: "وبنات عمك
وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك " فإن الآية توضح العدل والوسطية في
الإسلام، ورفض تفريط اليهود الذين أباحوا زواج الرجل من بنت الأخ وبنت
الأخت، فجاءت هذه الشريعة الكاملة فأباحت بنت العم والعمة وبنت الخال
والخالة، وحرمت ما فرطت فيه اليهود.
وبذلك فإن الزواج من الأقارب
مباح في الأصل، على أن تراعى الظروف الاجتماعية والصحية للزوجين، في كل
حالة من الحالات دون القياس على أخرى، مع القيام بالكشف الطبي وفحوص
الزواج قبل إتمامه، إيمانا بأهمية الطب الحديث في كشف الأمراض الوراثية
وتلافي أخطارها في المستقبل، لأن الأساس في الزواج هو الاستقرار والسكن
والمودة والرحمة والبناء العائلي والقوامة الاجتماعية.