هو البطل الشجاع والأمير المحنك أبو المظفر شهاب الدين محمد بن سام الغوري، قائد القبائل الغورية، ويرجع أصل هذه القبائل إلى الجنس البشتوني الأفغاني وكانت تستوطن جبال الغور وهي بلاد واسعة وباردة وموحشة، تقع بين غزنة وهراة وسط أفغانستان الآن مما جعلت طبيعتهم قوية وصلبة، وقد دخل بعضهم الإسلام على يد السلطان محمود بن سبكتكين وذلك سنة 401 هجرية.وبعدما حاربهم وعرف قوتهم وشجاعتهم حرص كل الحرص على أن يكونوا من جند الإسلام، فدعاهم للدين فدخلوه أفواجاً، فأقرهم 'محمود' على أملاكهم واستعملهم لنصرة الدين وأرسل إليهم الدعاة والمعلمين، فحسن إسلامهم وكانوا من أخلص أعوان 'محمود بن سبكتكين' وساعدوه في كثير من الحروب ببلاد الهند وكانت أم السلطان محمود الغزنوي أيضاً من قبيلة غلزاي البشتونية من منطقة زابل القريبة من قندهار.سنة الاستبدال، السنة الربانية التي تعمل في الأمم والدول والجماعات وحتى الأفراد بلا محاباة ولاجور، فمن ركب طريق التمكين وأخذ بأسباب البقاء والقوة، ظل باقيا صامداً ظاهراً بإذن الله عز وجل وحده ومن ركب طريق الفرقة والاختلاف وأخذ بأسباب الزوال والذهاب والفشل، حتما لابد من أن يكون مصيره السقوط والنهاية، وهذا ما حدث بالفعل مع الدولة الغزنوية أو السبكتكينية التي أصابها الوهن ودب الضعف وحب الدنيا إلى قلوب ملوكها، واختلفوا فيما بينهم واقتتلوا على الدنيا، بعدما قاموا بنصب سوق الجهاد ونشروا الإسلام بالهند لعهود طويلة، مما سمح لكفار الهند أن يرفعوا رؤوسهم مرة أخرى، ويخلعوا الطاعة، ويطردوا المسلمين من بلادهم. ولأن الله عز وجل ناصر دينه ومظهر شريعته فإن من مقتضيات هذه السنة أن يتولى أمر الدين قوم آخرون يحوطون حياضه ويذبون عنه وينشرونه ويكونون على مستوى هذا الدين، لذلك لما دب الضعف في الدولة الغزنوية استبدلها المولى عز وجل بالدولة الغورية وقائدها الأمير المظفر شهاب الدين الغوري، حيث ورث الغوريون الدولة التي سقطت بالكلية سنة 582 هجريةإعادة الأمجاد
كانت الدولة الغزنوية قد بلغت أوج قوتها واتساعها في عهد سلطانها العظيم محمود وولده مسعود وشملت المنطقة الشاسعة من إيران وشمال الهند كله والسند والبنجاب وحوض الجانج حتى البنغال ولما أصابها الضعف والوهن أخذت أجزاء كثيرة من هذه الدولة في السقوط في يد الكفار مرة أخرى ومن عاونهم من الفرق الضالة التي لا تقل كفراً بل تزيد بنفاقها عن الكفار الأصليين أمثال فرقة القرامطة والشيعة الإسماعيلية، وانتزعت الكثير من أملاك الغزنويين. حتى بإيران مركز دولتهم وعندما نهض بطلنا المقدام زعيم الغور شهاب الدين الغوري وأخذ في استعادة الأمجاد السابقة.بدأ شهاب الدين رحلته الجهادية مبكراً وبدأها كما بدأها من قبل 'محمود بن سبكتكين' ومن نفس النقطة من 'الملتان' وكان هذا الإقليم يقع تحت قبضة 'القرامطة' الكفار، وبالفعل استخلص شهاب الدين 'الملتان' من يد القرامطة سنة 570 هجرية، ثم أعقب ذلك استعادة 'بيشاور' وأخضع حوض السند جميعه رغم الخسائر الفادحة التي تحملها جيشه على يد كفار الهند وشمال الهند إلى خليج البنغال.[] التحالف الهندوسي
شعر أمراء الهند بخطورة الأمر وعودة التهديد الإسلامي من جديد بعدما ظهر أسد جديد على الساحة وهو شهاب الدين الغوري وقرروا التحالف فيما بينهم فيما عرف بتحالف أمراء منطقة الأنهار الكبرى في شمال شبه الجزيرة الهندية وهذه المنطقة التي تعرف باسم 'الهندستان' وفيها أخصب بلاد الهند وأكثفها سكانا، وهؤلاء الأمراء دفعهم الحقد على الإسلام وتحريض الكهنة البراهمة وخوفهم على أملاكهم وعروشهم أن يبادئوا المسلمين بالعداوة والقتال مستغلين بعض الأحداث الداخلية في الدولة الغورية وانشغال شهاب الدين بالقضاء على بعض الاضطرابات والفتن الداخلية.[] جهاد على كل الجبهات
كان شهاب الدين الغوري يحلم بأن تكون بلاد الهند كلها مسلمة وأن يستكمل الدور الرائع الذي قام به من قبل السلطان 'محمود بن سبكتكين' بل كان شهاب الدين يحب أن يتشبه كثيرا بمحمود بن سبكتكين وظهر هذا جليا في العديد من المواقف، ولكن الأمور لم تكن مواتية مثلما حدث أيام محمود بن سبكتكين، ذلك لأن شهاب الدين قد اضطر للجهاد على العديد من الجبهات الداخلية والخارجية وينتقل من الهجوم إلى الدفاع والكر والفر، من الهند إلى خرسان إلى الصين إلى إيران وهكذا، يقاتل كفار الهند وكفار الترك والباطنية الكفار أيضا طلاب الدنيا من المسلمين الطامعين المفسدين، لذلك فلقد قضى شهاب الدين حياته كلها لم يعرف بيتا ولا راحة ولا يلاعب ولدا ولا يهنأ بأسرة واستقرار بل من على ظهر الخيل إلى ظهر الخيل ومن ضرب السيف إلى رمى السهم وهكذا.[] أولاً: جهاده ضد كفار الهند
كان أمراء الهندوس هم العدو الأكبر والأصلي في معارك شهاب الدين الغوري، وكان لقاؤه الأول معهم في غير صالح المسلمين وترك أثراً شديداً على شهاب الدين الغوري، وذلك سنة 583 هجرية عندما دخل المسلمون مدينة 'شرستي' واحتلوها وكانت من أغنى وأكبر مدن الهند، فهجم التحالف الهندوسي بقيادة كبيرهم 'بريتي' والذي تسميه المراجع العربية 'كولة' على المسلمين ودارت رحى معركة من أشد ما لاقى المسلمون من قتال في الهند وانهزم بعض الأمراء الغوريين وفروا من أرض القتال، وظل شهاب الدين يقاتل بنفسه حتى أنه من شدة القتال قتل عدة أفيال بسيفه ورمحه ثم أصيب إصابة بالغة وتكاثر عليه الكفار ليأخذوه فدافع عنه جنوده وحملوه مصاباً ينزف الدم مسافة أربعين كيلومتراً حتى خافوا موته، ولما عاد إلى 'لاهور' أخذ الأمراء الغورية المنهزمين من أرض المعركة وعلق على كل واحد منهم عليق شعير وقال لهم 'ما أنتم بأمراء إنما أنتم دواب' وألزمهم المشي حتى 'غزنة'. ظل شهاب الدين يجهز لقتال الهندوس ورد الهزيمة وأخذ العدة اللازمة وجهز جيشاً كبيراً وكان ما زال ناقماً على أمراء الغورية منذ فرارهم في المعركة السابقة وعزم على ألا يصحبهم معه في القتال ضد الهندوس، فحاول بعض شيوخ القوم استرضاءه عنهم فقال شهاب الدين كلمات تعبر عن النفسية المؤمنة الصادقة التي تستشعر بما عليها من واجبات تجاه نصرة الدين والعمل للإسلام وتظهر مدى قوة قلب هذا البطل الشجاع وحساسيته الدافقة، قال {أعلم أنني منذ هزمني هذا الكافر ما نمت مع زوجتى على فراش ولا غيرت ثياب البياض عنى 'أى ثياب الكفن' وأنا سائر إلى عدوي معتمد على ربي عز وجل لا على الغورية ولا على غيرهم، فإن نصرني الله سبحانه ونصر دينه فمن فضله وكرمه وإن انهزمنا فلا تطلبوني، فلن انهزم ولو هلكت تحت حوافر الخيل}.بعد هذه الرسالة الجلية اهتزت قلوب الأمراء الغورية وحلفوا جميعا على القتال حتى الموت وعدم الأنهزام مهما حدث في أرض المعركة.عاد شهاب الدين الغوري إلى الهند بجيش قوامه مائة وعشرين ألف مقاتل بعد عام واحد من الهزيمة السابقة، فبرز له ملك الهند 'بريتي' في جيش قوامه ثلاثمائة ألف مقاتل أو يزيدون واستخدم شهاب الدين الغوري حيلة حربية ذكية حيث قسم جيشه إلى جزئين وهجم على الهندوس عند الفجر وهم غارون على قبضة الكماشة فأمضى المسلمون فيهم القتل، وحاول 'بريتي' الفرار فقال له أصحابه {إنك حلفت لنا أنك لا تخلينا وتهرب} فنزل من على فرسه وظل يقاتل حتى وقع أسيراً في يد المسلمين وحاول 'بريتي' أن يفدي نفسه بأموال طائلة مهولة ولكن شهاب الدين علم أن بقتل 'بريتي' يسهل سقوط الهند، فرفض قبول الفدية وقتله، وهو يؤكد بذلك على معنى رسالة الجهاد في الإسلام فهو ليس للدنيا ولا للأموال ولا للغنائم ولا لشهوة القتل والتملك بل هو لأسمى المطالب لنشر الإسلام وتبليغ الدين وإزاحة الطواغيت الذين يقفون على آذان الناس ويصدونهم عن سماع الحق.كان هذا النصر المبين إيذاناً بانهيار سلطان الأمراء الهندوس وبداية السلطان الحقيقي للإسلام في منطقة الهندستان، فلقد استولى شهاب الدين الغوري على مدن [شرستي، كهرام، هنسى، أجمير] وحطم أصنام الهندوكية والبوذية في الهندستان واستعمل أحجارها في بناء المساجد، وعهد الأمير شهاب الدين الغوري إلى مملوكه وقائد جيوشه 'قطب الدين أيبك' بولاية المدن الهندية المفتوحة، وكان 'قطب الدين أيبك' لا يقل شجاعة ولا إخلاصا عن أستاذه، فثبت أقدام المسلمين هناك، واتخذ 'دهلي' عاصمة له وبنى الجامع الشهير 'قطب منار'، كما تصدى 'قطب الدين' لفلول التحالف الهندوسى وانتصر عليهم في معركة حامية الوطيس في سهل 'جندوار' سنة 591 هجرية.في نفس الوقت الذي كان قطب الدين أيبك يرسخ أقدام الإسلام بالهندستان أرسل شهاب الدين الغوري بطلاً آخر من قادة جيوشه واسمه 'محمد بن بختيار الخلجي' إلى ناحية الشرق حيث منطقة 'البنغال' وهي معقل البوذية في الهند كلها، ففتحها وحطم معابدها وأظهر شعائر الإسلام بها وذلك سنة 599 هجرية وفي نفس السنة استطاع قطب الدين أن يفتح حصن 'كلنجر' أمنع حصون الهند وبسقوطة لم يبق في الهند مكان لم يدخله الإسلام باستثناء صحراء الجنوب.[] ثانيا: جهاده ضد كفار الأتراك
الجنس التركي يشمل كل القبائل الواقعة وسط وشرق الهضبة الإيرانية حتى أقصى شرق الصين وأيضا بلاد القوقاز ومنغوليا، وهذه القبائل كان منها المؤمن ومنها الكافر، وأمثال القبائل المؤمنة {السلاجقة والتركمان والغوريين والخورازميين} وأما القبائل التركية الكافرة الوثنية فكانت تتجمع تحت لواء كبير وتحت أقوى هذه القبائل وهي قبائل {القراخطاي} وأصلهم في غرب الصين، وكان نهرا 'سيحون' و'جيحون' هما الحد الفاصل بين هذه القبائل الكافرة وبلاد الإسلام.كانت هذه القبائل شديدة البأس كثيرة الفساد تؤذي جيرانها المسلمين وتفرض عليهم الجزية وتكثر من الإغارة عليهم وكان من الطبيعى أن يتصدى لهم بطل الإسلام المقدام في هذه البقعة من الأرض وتتجه أنظار المسلمين كلها إليه وبالفعل تصدى لهم شهاب الدين الغوري ومنع تقدمهم وعبورهم لنهر 'جيحون' ولكن الطامة الحقيقية والحقيقة التاريخية الثابتة والمحزنة للقلب حقاً هي أن هذه القبائل إنما تحركت لحرب شهاب الدين والمسلمين بتحريض من ملك مسلم آخر وهو 'خوارزم شاه' وكان ملكه متسع للهضبة الإيرانية كلها وقد ورث الرجل ملك دولة السلاجقة العظيمة ولكنه كان رجلاً لا يبالي إلا بمصالحه الخاصة وأملاكه وأمواله، وكان ملكه المتسع وما ورثه من أملاك السلاجقة دافعا له لأن يطلب من الخليفة العباسي 'الناصر بالله' منصب السلطنة والخطبة ببغداد، فأرسل الخليفة إلى شهاب الدين الغوري يطلب منه أن يمنع 'خوارزم شاه' من التقدم لحرب الخليفة، وعندها خاف 'خوارزم شاه' من قوة شهاب الدين الغوري، وأرسل إلى ملوك القراخطاي الكفار وأغراهم بالهجوم على الدولة الغورية وكان شهاب الدين قد أخذ من قبل بعض بلاد القراخطاي، فقويت عزائمهم على حرب شهاب الدين والمسلمين.استغل الكفار خروج شهاب الدين الغوري للغزو في بلاد الهند وهجموا بأعداد كبيرة على بلاد الغور وعظمت المصيبة على المسلمين لغياب شهاب الدين وضخامة العدو، ولكن الله عز وجل الذي وعد بحفظ دينه ونصرة جنده قيض للمسلمين عدة أبطال من أعوان شهاب الدين مثل الأمير 'محمد بن جربك' و'الحسين بن خرميل ' و'حروش الغوري' واجتمع عندهم المجاهدون والمتطوعون من كل مكان وهجموا على جيش 'القراخطاي' وهم غارون ليلاً ووضعوا فيهم السيف واشتد القتال بين الفريقين واستشهد 'حروش الغوري' وكان شيخا مسنا فالتهبت مشاعر المسلمين وألقوا السهام والرماح وصار القتال بالسيوف والفوؤس فقط وانتصر المسلمون انتصاراً هائلا جعل عقل ملك 'القراخطاي' يطيش وينقلب على خوارزم شاه ويطلب منه دية لكل قتيل كافر عشرة ألاف دينار ذهبا، مما جعل 'خوارزم شاه' يطلب العفو والصفح من شهاب الدين الذي قبل العفو شريطة دخول 'خوارزم شاه' في طاعة الخليفة العباسي فوافق خوارزم الذي كان يغير ولائه ويقلبه حسب هواه وأطماعه، ووقعت كراهيته في قلوب كل المسلمين شرقا وغربا، والعجيب أن هذا الرجل النكبة عاد وحالف 'القراخطاي' من جديد وأغراهم بشهاب الدين ودلهم على أماكن ضعفه فهزموا شهاب الدين في معركة رهيبة سنة 600 هجرية كاد يقتل فيها شهاب الدين وتنهار دولة الإسلام في الهند بسبب ذلك.[] ثالثا: جهاده ضد الزنادقة والباطنية والفرق الضالة
كانت منطقة الهضبة الإيرانية وبلاد الهند مرتعا خصبا وواسعا للأفكار الضالة والعقائد المنحرفة حيث كانت مهبط ومعدن الفلسفة والمنطق والتأملات البراهمية والعقائد المجوسية والفارسية، فلا عجب أن تبقى أثار تلك العقائد الضالة في تلك البقاع، ولذلك كان السلطان العظيم 'محمود بن سبكتكين' شديد الاهتمام بتطهير كل بلد يفتحه أو يملكه من أثار تلك العقائد والفرق الضالة وقضى على كل المذاهب المخالفة لأهل السنة والجماعة، وسار على دربة الأمير شهاب الدين الغوري الذي كما قلنا من قبل شديد الشبه بمحمود بن سبكتكين، ودائم الأقتداء به، فقد كان شهاب الدين الغوري شافعيا على عقيدة أهل السنة والجماعة، شديد الحب والإيمان بالإسلام، يكره أهل البدع والفساد شديداً على الفرق الضالة خاصة فرقة 'الإسماعيلية' الباطنية، فقد كان يقتل من يجده منهم ويخرب قراهم ويلزمهم بالدخول في الإسلام وإظهار شعائره، وكان شهاب الدين الغوري على يقين أن الملاحدة والزنادقة من أتباع الفرق الضالة هم الخطر الأكبر الذي يهدد سلامة الأمة الإسلامية وينخر في جسدها، وأنهم يتربصون بهذه الأمة الدوائر وأن عداوتهم وكفرهم أشد وطأة وأذى على المسلمين من الكفار الأصليين.عندما تحالف الخائن 'خوارزم شاه' مع قبائل 'القراخطاي' ضد شهاب الدين والمسلمين ودلهم على عورات جيش شهاب الدين، ووقعت الهزيمة على المسلمين، سرت شائعة في البلاد أن شهاب الدين قد قتل في المعركة، وعندها تطاول كل ملحد وزنديق ومجرم ومفسد وطامع في الدنيا؛ ومن هؤلاء أحد مماليك شهاب الدين واسمه 'أيبك بال' الذي نصب نفسه سلطانا على المسلمين مكان شهاب الدين وأعانه على ذلك أحد الزنادقة ويدعى 'عمرو بن يزان' وأخذ 'أيبك بال' في ظلم الناس وسفك دماءهم وأخذ أموالهم وتجمع حوله كل اللصوص وقطاع الطرق وفسح المجال للزنادقة والملاحدة في نشر أفكارهم وعقائدهم، ولما عاد شهاب الدين الغوري من القتال ووجد الأمر هكذا أمر بالقبض على هؤلاء المفسدين والزنادقة وأمر بقتلهم ثم تلا قوله عز وجل: 'إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا ……… ' وشن حملة واسعة وشاملة على قرى وبلاد الإسماعيلية حتى الموجودة خارج نطاق مملكته ليطهر بلاد الإسلام كلها من هذا الجنس الخبيث.كانت الشائعة التي سرت بعد هزيمة شهاب الدين من 'القراخطاي' عن مقتلة السبب في كشف مكنون صدور الكثيريين، وسبحان الله كما قال عز وجل {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم …} فقد كانت الهزيمة كريهة وأليمة على نفس المسلمين عموما وشهاب الدين خصوصا ولكنها كشفت حقيقة كثيرين ممن كانوا حول المسلمين، من هؤلاء كان أمير منطقة 'الجودي' واسمه 'دانيال' وكان قد أسلم خوفا من بطش شهاب الدين، فلما وصلته شائعة مقتل شهاب الدين ارتد عن الإسلام مرة أخرى وحالف قبيلة تركية كافرة اسمها قبيلة 'بنى كوكر' ومساكنهم في جبال لاهور والمولتان وهى حصينة ومنيعة، وقام هذا التحالف الكفري بالإغارة على بلاد المسلمين وقطعوا السبيل ونهبوا قوافل التجارة، وكان شهاب الدين في هذه الفترة يجهز الجيوش لمحاربة 'القراخطاي' ورد الهزيمة، فلما وقف على حقيقة الوضع غير عزمه وقرر البدء بهؤلاء المرتدين والكافرين في مملكته وهذا يوضح فهم شهاب الدين لترتيب الأولويات والبدء بالعدو الأقرب الذي هو عادة أخطر، أعاد شهاب الدين جيوشه بسرعة من اتجاه الشرق إلى الشمال وهجم كالأسد الضاري على الخونة والمرتدين يوم الخميس 25 ربيع أول سنة 602 هجرية واشتدت مقاومة الكفار، وكان شهاب الدين قد قسم جيشه لجزئين جزء يقوده هو بنفسه ويتولى الاصطدام المباشر مع الكفار، وجزء أخر يقوده أنجب تلاميذ شهاب الدين الأمير البطل 'قطب الدين أيبك' يكون كمينا يظهر في اللحظة الحاسمة، وبالفعل ظهر قطب الدين بجيشه عند أشتداد القتال وتنادوا بشعار الإسلام 'الله أكبر' وحملوا حملة صادقة على الكفار الذين انهزموا وأمعن المسلمون فيهم القتل، وفر الكفار وصعدوا إلى تلال هناك وأضرموا فيها النار فكان أحدهم يقول لصاحبه 'لا تترك المسلمين يقتلونك ثم يلقى نفسه في النار' فعمهم الفناء قتلاً وحرقاً، وغنم المسلمون غنيمه هائلة حتى أن كل خمسة أسرى يباعون بدينار واشتد هذا النصر المبين على كل كافر وملحد وزنديق ومرتد في هذه البقعة من الأرض.[] شهيد المحراب
وجد أعداء الإسلام على اختلاف مشاربهم وأهوائهم أنه لا سبيل للانتصار على هذا الدين إلا باغتيال رأس المسلمين وبطلهم المقدم الذي يستطيع أن يجمع الجيوش ويشحذ الهمم وينافح عن دين الإسلام، ولم يجد أعداء الإسلام أفضل من الباطنيين الكفرة ليوكلوهم في تلك المهمة القذرة فالباطنيون خبراء في أساليب الاغتيال والغيلة، وبالفعل تسلل نفر من الباطنية الاسماعلية إلى جيش شهاب الدين الغوري وهو خارج لقتال قبائل 'القراخطاي' الكافرة، وأظهر هؤلاء الباطنية أنهم من جملة الجيش حتى كانت ليلة 1 شعبان سنة 602 هجرية، وكان شهاب الدين في خيمته يصلي قيام الليل وحده دخل عليه الكفار وضربوه بالسكاكين حتى قتلوه شهيداً وهو يصلى، فدخل عليه أصحابه فوجدوه على مصلاه قتيلاً وهو ساجد فأمسكوا بهؤلاء الكفرة وقتلوهم جميعاً، وهكذا كانت نهاية هذا البطل العظيم الذي هو من أعظم أبطال الإسلام، ويا لها من حسن خاتمة لرجل طالما تعرض لمواطن الشهادة وباشر القتال بنفسه حتى أنه من شدة قتاله كان يقتل الفيل بسيفه، يستشهد بطلنا وهو يصلي ساجدا قائما لربه عز وجل وهو خارج لقتال الكافرين وهكذا تكون خاتمة الأبطال وما أروعها من خاتمة