اعتذار الرجل من المرأة: تنازل عن الذكورة أم نضج في الشخصية؟
يقول البعض إن الرجل يعتذر من المرأة، في حالتين: إما أن يكون مخطئا، أو "تفاديا لشرها"، وفي مثل هذه الحالات يؤكد اختصاصيون أن الاعتذار من المرأة لا يمثل ضعفا في الرجل، بل هو ضروري.
"الاعتذار من المرأة قوة شخصية من الرجل في حال أخطأ بحقها، ولا أعتبره ضعفا بل احتراما للمرأة "، هذا ما بدأ به احد الشباب حديثه، ليؤكد أنه قام بالاعتذار لعدد من صديقاته اللواتي أخطأ بحقهن، وقدم لهن اعتذارا "صادقا".
هناك من يقول ان حملن هذا الاعتذار على أنه شيء ثمين صادر عن شاب (شرقي)"، ويتساءل لماذا تعتبر العديد من الفتيات كلمة شرقي تهمة ضد الرجل"، مبررا أنه يعتبر "جنس حواء مخلوقا رقيقا ويحب التعامل معه بكل صدق ورقة".
وعن نوع الخطأ الذي ارتكبه اخر يقول "رأتني حبيبتي مع أحد الأشخاص الذين لا ترتاح إليهم، واضطررت حينها لاختلاق الأكاذيب لتبرير جلوسي معه، ولكنها اكتشفت أكاذيبي التي اعتبرتها من جهتي "بيضاء"، ووجدت نفسي في موقف لا أحسد عليه، فقدمت لها اعتذاري"، معتبرا أن الاعتذار من "الأنثى"، على نحو خاص، هو "مصدر قوة وليس مصدر ضعف"، بخاصة إذا "كنت أتعامل مع أنثى لا تتفوه إلا بالكلام الجميل، وحتى جميع من تعاملت معهن من نساء وفتيات كن جميلات في تقبل تصرفاتي، وإعطاء المبررات لها".
وبرأي اخر فإن هذا "الاعتذار ربما يكون عائدا إلى تربية الشخص واختياره للأشخاص الذين يجب أن يتعامل معهم على نحو طبيعي، في حين إذا تربى الشخص في بيئة ومحيط يحبذ له أن يكون قاسيا ولا يتعامل مع المرأة على نحو حضاري، فإن الكثيرات من النساء، إذا تعرضن لمثل هؤلاء الأشخاص سيختلف الأمر، وستعاني المرأة كثيرا"، وهناك، برأي حالات عديدة من هذا القبيل في مجتمعنا.
ومن جهة اخرى، فيشير إلى أنه "لا يوجد إنسان لا يخطئ، وعندما أخطئ بحق امرأة أعتذر في حالة واحدة، بحسب المرأة، وبحسب أخلاقها وجمالها، وصلة القربى بيننا، وبحسب ثقافتها، وحجم الخطأ الذي ارتكبته أيضا، وعندما تكون المرأة بعيدة عن أخلاق مجتمعنا وتقاليده، فإنني لا أعتذر منها، وأيضا عندما تكون مغرورة فلا أعتذر منها".
أما الثلاثيني اخر فيشير إلى أنه يعتذر إذا أخطأ بحق المرأة، وحسب علاقته بها "فقد تكون صديقتي أو زميلة لي، وفي هذه الحالات أعتذر منها بكل ود"، لكنه يشير إلى أنه، في حال تعامل مع موظفة في أي دائرة حكومية، وكانت لامبالية لطلبه، فيكون قاسيا معها، ولا يمكن أن يعتذر منها مهما كانت الأسباب.
بدوره، يرى الشاب الاخر، أنه مهما أخطأ بحق المرأة، فلا يمكن أن يقدم لها أي اعتذار أمام الآخرين، بينما يمكن أن يعتذر منها عن خطئه بعيدا عنهم، سواء برسالة عبر الموبايل أو برسالة مكتوبة في حال كانت صديقة أو زميلة أو رفيقة، بينما إذا كانت زوجة فإنه يعتذر منها بطريقة أخرى، بعيدا عن أعين الآخرين.
اما بالنسبه للشابه الثلاثينيه، وهي زوجة عاملة في شركة للمنتجات الغذائية، تؤكد أنها لم تفكر في يوم من الأيام أن تكون في موقف يقدم لها زوجها اعتذارا، على الرغم من أخطائه الكثيرة التي يرتكبها، وتصف هذه الأخطاء "بالعابرة وغير الخطيرة"، وتضيف أنه حدث في إحدى المرات أن زوجها أرسل لها باقة ورد، وكتب على البطاقة المرفقة مع الورد عبارة تقول "أعتذر يا حبيبتي"، ولم أكن أعرف سبب هذا الاعتذار، وانتظرت حتى وصوله إلى البيت، وعندما سألته عن ذلك قال لي حينها "أحببت أن أعتذر عن شيء تجاوزت من خلاله الخطوط الحمراء لعلاقتنا الزوجية"، وتؤكد أنها لم تعرف إلى الآن الخطأ الذي أقدم عليه زوجها، وأنها تحدثت إلى الكثيرات من صديقاتها عما جرى بينها وبين زوجها، ولم تصل إلى رد مقنع من أي منهن، حتى زوجها لم يدل لها بأي اعتراف حقيقي، إلا أنه كان سيقدم على خطوة ربما كانت ستكون خطرا حقيقيا على علاقتهما الزوجية، لكنه تراجع عن ذلك، مع شعوره بضرورة تقديم اعتذار لزوجته.
ويرى آخر أنه في بعض الأحيان، فإن المرأة، في حال اعتذر منها الرجل حتى لو أخطأ بحقها، تصبح متكبرة، ومنهن من ترى في ذلك احتراما حقيقيا من الرجل لها ككائن وشريك، فتحمل ذلك في داخلها، وكثيرا ما تعتبره مسؤولية كبيرة وقعت على عاتقها، ما يجعلها تقدم أكثر لذلك الرجل الذي عبر لها عن احترامه وقدم لها اعتذاره.
وفي ما يتصل بآراء الاختصاصيين، يشير اختصاصي علم الاجتماع د. فؤاد مارديني، إلى أنه حتى يصبح الرجل قادرا على الاعتذار، أي مراجعة الذات والاعتراف بالخطأ، خصوصا أمام المرأة، فيجب أن يتوافر فيه عدد من الصفات، منها حب الذات، وحب الآخر، ونضج الشخصية.
ويوضح مارديني بأنه يقصد بحب الذات "حب النفس" بوصفها جزءا من حب الآخر، فالحب للآخرين، والحب للذات ليسا بديلا أحدهما عن الآخر، لذا ينصح كلا الطرفين في العلاقة الزوجية، أو أي علاقة اجتماعية، أن يقدم الاعتذار أو الاعتراف بالخطأ، بالطريقة ذاتها التي يحبذ أن يتم فيها التعامل معه حيال الموقف نفسه.
مارديني يرى، أيضا، أنه لولا وجود عنصري الحب والاحترام، لأمكن، بسهولة، أن تنقلب المسؤولية إلى رغبة بالتفوق والسيطرة، ذلك أن الاحترام ليس خوفا، بل يعني رؤية الإنسان كما هو، وإدراك شخصيته الفريدة، وتقديم الاعتذار له، علاوة على محاولة الالتزام بنجاح العلاقة بين الطرفين.
أما اختصاصي علم النفس والإرشاد النفسي د. ياسر مغيزل فيشير إلى أن الشخصية الناضجة الصحية، والخالية من جميع العقد والأمراض النفسية، كالرغبة في التسلط والسادية، أو الرغبة في الخضوع، هي الشخصية القادرة على بناء علاقة صحية مع المرأة، والتي تقوم على الاحترام المتبادل، ومن ثم القدرة على الاعتذار منها، وطلب السماح، حين يشعر الرجل أنه أخطا بحقها، مؤكدا أن اعتذار الرجل من المرأة يعد "أرقى مراحل النضج في الشخصية".