فرض
الله سبحانه الصيام في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم الصيام
كما كُتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) واختص الله سبحانه هذه العبادة
لنفسه في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي
به)، وفي الحديث النبوي الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صوموا
تصحوا»، وهذه نصيحة طبية ذهبية للإنسان السليم وهي كذلك نصيحة مثلى لكثير
من مرضى القلب.
وفي
شهر رمضان يثار جدل حول الفوائد الصحية للصيام خاصة للمرضى الذين يعانون
من مشاكل في القلب، وقد أفادت العديد من الدراسات الطبية بأن صيام شهر
رمضان يعد علاجاً للمرضى الذين يعانون من هذه المشاكل حيث إن 10٪ من كمية
الدم التي يدفع بها القلب إلى الجسم تذهب إلى الجهاز الهضمي إلا أنه خلال
الصيام لا توجد عملية هضم الأمر الذي يقلل من كمية المجهود الذي يبذله
القلب، وبالتالي قدراً من الراحة.
وهناك
نوعان من مرضى القلب أولهما يمكنه صيام شهر رمضان دون أية مشاكل وثانيهما
يعاني من اضطرابات حادة تجعل من الضروري أن يفطر شهر رمضان كالمرضى الذين
يعانون من ذبحة صدرية أو ضعف في عضلة القلب، ولا بد أن يتبع المريض تعليمات
وإرشادات طبيب القلب الخاص به فيما يتعلق بإمكانية صيامه لشهر رمضان وأن
يسير وفق برنامج علاجي ملائم لصحته وحالته.
وفيما
يختص باستعمال الأدوية في رمضان فعندما يتطلب العلاج استخدام الأدوية في
جرعات متقاربة الزمن أي كل 4 أو 6 ساعات فعندئذ يتعذر الصيام كاستخدام
الأدوية المنظمة لنبض القلب والأدوية الموسعة للشرايين، وقد تم التوصل في
وقتنا الحالي إلى أدوية طويلة المفعول تصل إلى 24 ساعة مكنت مريض القلب من
تناول الدواء مرة واحدة أثناء فترة الإفطار مع استمرار مفعول الدواء بالجسم
أثناء فترة الصيام الأمر الذي سمح لمريض القلب أن يصوم دون حدوث مضاعفات
غير أن تقدير ذلك لا بد أن يرجع لطبيب القلب المعالج. وليس صحيحاً بأن
الصيام يضعف القلب ويسبب نقص السكر الذي يعتبر غذاء القلب الرئيسي وبأنه
أيضاً يسبب زيادة في تركز الدم ولزوجته بسبب نقص السوائل مما يؤدي بالتالي
إلى حدوث جلطات في القلب، فنسبة السكر في الدم تبقى في حدود الطبيعي والجسم
لديه مخزون كبير من الغذاء فهو يختزن السكريات في الكبد والدهنيات تحت
الجلد ويستطيع الجسم ببساطة أن يستخدم هذا المخزون متى شاء لتغذية القلب
وباقي الأعضاء في ساعات الصيام ويعوضه بعد الإفطار، وفيما يتعلق بزيادة
لزوجة الدم وتركزه فلا يوجد أساس علمي لهذا الاعتقاد ففترة الصيام في كل
الأحوال لا تزيد عن 16 ساعة وما يفقده الجسم من السوائل في هذه الفترة لا
يحدث تركيزاً في قابلية الدم للتجلط فالمسلمون الأوائل كانوا يصومون في
ظروف بالغة الصعوبة، حيث كانت درجات الحرارة تصل إلى خمسين درجة مئوية في
بيئة تندر فيها الآبار، ولم يكن هناك من أُصيب من جراء ذلك بأي تجلط.
وفيما
يتعلق بغذاء مريض القلب في شهر رمضان فيمكن لمريض القلب أن يبدأ إفطاره
بتناول شربة دافئة وسلطة خضراء مع الطعام لما فيها من فيتامينات لازمة
للجسم ولا يوجد لها أية أضرار، كما يُصح المريض بتجنب تناول المثلجات في
بداية إفطاره وأن يبتعد عن المخللات والأغذية التي تحتوي على نسب عالية من
الأملاح، وأن تكون وجبة الإفطار خفيفة لا تصل إلى حد الشبع وأن يتناول بعد
ذلك عدة وجبات خفيفة بين الفطور والسحور بالإضافة إلى تناوله لكميات كافية
من الماء والسوائل أثناء هذه الفترة خاصة خلال الأيام التي يكون فيها الجو
حاراً، وذلك لتعويض ما يفقده الجسم من سوائل.
ويمكن
لمريض القلب أن يتناول بعض الحلويات ولكن بكميات قليلة ودون إفراط، وأن
تكون كمية الدهون قليلة حتى لا يتسبب ذلك في زيادة وزنه أو زيادة في نسبة
الكولسترول في دمه، أما إذا كان مريض القلب مصاباً بداء السكري فعليه حينها
أن يتبع حمية للسكري وأن يقلل من تناول الحلويات لمنع حدوث مضاعفات خطيرة
لا سمح الله.
ويعتبر
الصيام فرصة حقيقية لمرضى القلب المدخنين للتوقف عن التدخين نهائياً
باعتباره أحد أهم عوامل الخطورة لأمراض القلب، كما أن الصيام يهذب النفس
ويدعو إلى التسامح والابتعاد عن الانفعالات مما يريح القلب ويقلل من الضغط
عليه.